الصوم عن الهدر الغذائي
يتجدد سنويا اللقاء بين المليار والنصف مليارمسلم مع شهر رمضان المبارك، حيث تشتاق النفوس إلى الاستزادة من الطاعة والعبادة والتجديد الروحاني والنفسي والجسدي طاعة وتسليما خالصا لله تعالى. وبما أن شهر رمضان يُعدّ من الأشهر التي يكثر فيها الإحسان في أوجهه الكثيرة سواء الإنسانيه، المجتمعية، البيئية وغيرها، فيجب علينا جميعا إدراك مفاهيم الاستدامة التطبيقية خصوصا فيما يتعلق بالهدر الغذائي، وإنتاج النفايات، وما يزداد فيه من معدلات استهلاك المياة والطاقة وغيرها مما قد لا يتماشى مع تعاليم الإسلام المتوافقة مع مبادئ الاستدامة والحفاظ على الأرض ومواردها خصوصا في هذه الأيام الفضيلة.
إن شهر رمضان يُعد فرصة عظيمة لتغيير السلوكيات الفردية والمجتمعية غير المستدامة، وتحويلها إلى سلوكيات مستدامة ذات أثر على مستويات متنوعة كبعد ديني متأصل من منطلق (لا ضرر ولا ضرار) ومن منطلق مبدأ الاستخلاف في الأرض، حيث إن لتلك الممارسات المسؤولة عوائد نفع دينية ودنيوية تشمل الحفاظ على الموارد و تعزيز الأثرالمجتمعي والاقتصادي والبيئي. فمثلا على مستوى الأفراد والمجتمعات يمكن استغلال رمضان نحو تحسين عادات يومية مستدامة مثل تقليل استهلاك المياة، حيث إن معدل استهلاك الفرد تقريبا 284 لترا لليوم في السعودية، وتقليل الهدر العام في إنتاج الطعام والمخلفات العضوية المصاحبه لذلك، واستخدام المواد الصديقة للبيئة والمواد ذات الاستخدامات المتعدده وغيرها.
وكما أن نهار رمضان قد يتسم بالهدوء النسبي بالنسبة للهدر الغذائي إلا أنه ما أن يحل وقت الغروب إلا وتغرب معه مبادئ الحفاظ على النعمة وإكرامها في حالات متعددة، ما قد يضاعف معدلات الهدر الغذائي إلى مستويات تسهم في ارتفاع نسب أخطار الأمن الغذائي التي تكافحها الدولة من خلال تعزيز عمل جمعيات الحفاظ على النعمة والتوعية المجتمعية إلى مرحلة إنشاء هيئة متخصصة تُعنى بالأمن الغذائي، لما لذلك الأمر من أهمية بالغة على المستويات الاجتماعية الاقتصادية والأمنية وحتى البيئية، حيث إن هذه الظاهرة تسهم أيضا في تدهور البيئة.
وفيما يخص الهدر والفقد الغذائي تحديدا فإنه يُعد هاجسا عالميا، لما له من آثار وخيمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ما يؤدي إلى خسارة واضحة في الموارد خصوصا النادرة منها التي تمثل جزءا لا يتجزأ من عملية إنتاج الغذاء على غرار المياه والأراضي والطاقة والموارد البشرية وغيرها، فيتسبب ذلك في انخفاض العائد الاقتصادي من الأعمال الزراعية، والصناعية وغيرها، ما يتسبب في انعدام الأمن الغذائي في البلدان ذات الموارد الضئيلة التي تكافح لتحمّل تكاليف الإمدادات المستوردة لتلبية الاحتياجات الأساسية من الغذاء كما في بلداننا العربية والإسلامية. وتشكل نسبة الفقد والهدر الغذائي في السعودية أكثر من 33% فيما تبلغ تكلفة هدر الغذاء 40 مليار ريال سنويا، ما يدق ناقوس الخطرخصوصا في أوقات تتسارع فيها الدول إلى الاكتفاء الذاتي تحسبا لأي جائحة أو خطر يهدد أمنها الوطني، ولعل أحداث جائحة كورونا ما زالت عالقة بالأذهان، والكل يعلم عن حجم التحدي الذي عانت منه كثير من الدول، ليس صحيا فقط، ولكن على مستويات تأمين سلاسل إمداد الغذاء والدواء وغيرها.
ختاما، إن شهر رمضان فرصة "للصوم عن الهدرالغذائي" وتقليل نسبة ارتفاع تكلفته الاقتصادية والاجتماعية والتحول إلى أسلوب حياة صديق للبيئة وأكثر استدامة، واستبدال العادات الاستهلاكية غير المسؤولة إلى أخرى تكون أكثر حرصا على استدامة الموارد الطبيعية تلبية للشريعة والتعاليم الإسلامية، وتحقيقا لمبادئ التنمية المستدامة، ومساهمة في رفع مستويات جودة الحياة التي يطمح لها الجميع.