كيف نستثمر 150 مليارا في الذكاء الاصطناعي؟
أعلن صندوق الاستثمارات العامة عن مبادرة باستثمار 40 مليار دولار (150 مليار ريال) في الذكاء الاصطناعي. لا شك أنها حجم وتوجه يستحقان التقدير والتفكير. ليس لدي معلومات أكثر من هذا الخبر، لكن لا بد من إطار عام للاستغلال الأمثل للمبادرة. السؤال عن كيفية استثمار مبلغ كبير لمؤسسة عامة في مجال تقني متحرك على قاعدة تقنية وعلمية ناشئة.
في نظري هناك ثلاث مراحل لإدارة هذا الاستثمار. الأولى، هناك معطيات أو ربما مدخلات مهمة قبل الخوض في بعض التفاصيل. الأول، أن البعد السحابيات cloud computing عالي الاستهلاك في الطاقة في ظل توجه السعودية للطاقة المتجددة، وكما ذكر وزير الطاقة ستكون السعودية ربما الأقل تكلفة في إنتاجها، لذلك ربما لدى السعودية ميزة تنافسية، الثاني، لأن الاستثمار من جهة عامة لا بد من التفريق بين الاستثمار بغرض الكسب المالي ونقل التقنية وتوطينها على المدى البعيد.
الثالث، مدى استعداد السعودية في البنية التحتية ماديا وتقنيا وبشريا، لأن تعاظم المصلحة من الاستثمار يكون في التكامل بين الوطني والدولي. رابعا، الموضوع المستهدف يتطلب درجة عالية من المعرفة والهدوء والتأني، إذ لا يمكن التسرع في تقنية تتطور من عدة أبعاد ولاعبين كثر، إذ إن معرفة من سيسيطر في المدى البعيد من الشركات والتقنيات صعب. لذلك لا بد من جدولة مهيكلة مرحليا للاستثمار. كل واحد من هذه المدخلات يحتاج إلى تحليل وتكامل مع بعض، قبل الدخول في المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية تتمخض في تفاصيل الأجزاء والطبقات المكونة لوسط الذكاء الاصطناعي. هناك أربعة مكونات لقاعدة الذكاء الاصطناعي كما فصلها أحد المختصين. الأول، أشباه الموصلات المتخصصة، الذي تقوده الآن شركة انفيديا NVIDIA لكن هناك طامحين آخرين.
الثاني، النماذج الأساسية في البرمجيات مثل OPEN AI التي تملك مايكروسوفت 48 % منها ويديرها سام ألتمان، وأيضا هناك منافسة مع منتج مشابه لقوقل وآخرين.
الثالث، أدوات البنية التحتية في صناعة البرمجيات. الرابع، التطبيقات والربوتات التي ربما أخيرا وصلت إلى مرحلة جديدة من الناحية العملية مع الذكاء الاصطناعي. هناك شركات متعددة في كل مكون وطامحون وشركات لا نعلم عنها شيئا الآن. وهذا يقودني إلى المرحلة الثالثة.
المرحلة الثالثة في كيفية وتوقيت توظيف الأموال. في نظري لا يمكن استثمار مبلغ بهذا الحجم في مدة تقل عن عشرة أعوام وربما أطول. لذلك ربما من الأفضل توزيع المبلغ على مرحلتين بالنصف، إذ يستحسن توفير النصف لحين الوصول إلى درجة أعلى من اليقين للشركات الفائزة بتقنيات جديدة. النصف الأول سيستثمر في شركات كثيرة في كل جزء من المكونات الأربعة التي ذكرت أعلاه.
مختص آخر نصح بالاستثمار من خلال توفير القدرات السحابية (في تجاوب مع ميزة الطاقة النسبية كما ذكرت أعلاه) لعدد من الشركات الواعدة مقابل 7-8 % من الملكية وربما حق شراء أكثر في حال النجاح.
أخيرا لا بد من الاستعانة بعدة خبراء مجربين في الصناعة للتعرف على اللاعبين الواعدين في كل مكون، واختيار أفضل السعوديين الواعدين من أفضل أقسام الحاسب الآلي والهندسة في العالم، كخطوة أولى لتوطين المعرفة، خاصة أن هناك نواة ناجحة لشركات سعودية في بعض التطبيقات.
لا شك أن هذه مبادرة واعدة في مجال مستقبلي استراتيجي كبير، لكن كما يقال الخير في تنفيذ التفاصيل طبقا لخطة تفصيلية، كما حاولت الإيجاز أعلاه، ومراجعتها من قبل مختصين آخرين في كل عام، للمحافظة على علاقة علمية بين المال والأهداف والإنجاز.