تحالف الكربون
على الرغم من تطاير جزيئات الكربون في الهواء هنا وهناك، إلا أن تحالفها ممكن أن يستفاد منه على نطاقات واسعة، سواء الفني عبر التقاط واحتجاز الكربون، أو السياسي عبر التحالفات الدولية مثلما حدث الأسبوع الماضي، حيث اُختتم في الرياض الاجتماع الوزاري الثاني لمنتدى الحياد الصفري للمنتجين بمشاركة الدول الست الأعضاء في المنتدى التي تمثل ثلاث قارات، هي السعودية وقطر والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية والنرويج وكندا. وتركزت المناقشات على الخطط المناخية وخطط تحقيق الحياد الصفري بهدف تسريع وتيرة التحولات العادلة في مجال الطاقة والوصول بالانبعاثات إلى الحياد الصفري ودعم أمن الطاقة في الوقت ذاته الذي يعد عماد التنمية وضمان بقائها مستدامة.
ويعد هذا التحالف وغيره من التحالفات المتعلقة بالمناخ بمنزلة التزام واضح من الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها السعودية تجاه القضايا المناخية والجيوسياسية الملحة التي تتطلب تضافر الجهود لإبقاء درجة حرارة الكوكب وفق المعدلات المتفق عليها وفق اتفاقية باريس للمناخ، حيث تهدف الاتفاقية إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ومنع تغير المناخ بدرجة خطيرة تؤثر في كوكب الأرض وفي الحياة بشكل عام، حيث تم تبني الاتفاقية في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP 21 في باريس في 12 ديسمبر 2015، ودخلت حيز التنفيذ في 4 نوفمبر 2016 ما يجعل التحالفات الدولية والاجتماعات عالية المستوى كالاجتماع الوزاري الثاني لمنتدى الحياد الصفري للمنتجين ذات مفعول حيوي نحو تنفيذ كل ما من شأنه التغيير في المناخ، خصوصاً ما يتعلق بالانبعاثات الكربونية لدى الدول المنتجة.
ويمكن القول إن مثل هذه الاجتماعات تسهم في تعزيز التعاون الدولي من خلال توفير التحالفات الدولية لمنصة للدول للعمل معًا بشكل أكثر فاعلية لمكافحة تغير المناخ ووضع الحلول العادلة لضمان استمرارية تزويد العالم بالطاقة. أيضاً تسهم هذه الاجتماعات في مشاركة الموارد والخبرات لدى الدول الأعضاء، حيث يمكن لتلك الدول مشاركة الموارد والخبرات، مثل التقنيات النظيفة وبرامج التمويل، مع بعضها بعضا. وتعد زيادة الاستثمارات خصوصاً الخضراء منها أهم ما يمكن للتحالفات جذبه من خلال بث مزيد من الاستثمارات في مشاريع خفض الانبعاثات، مثل الطاقة المتجددة وتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه وغيرها، إضافة إلى تسريع الابتكار الذي يمكن للتحالفات أن تسهم جديا في تحفيزه في مجال تقنيات خفض الانبعاثات عموما والكربونية منها على وجه الخصوص، وهو ما يحتاج إليه العالم والسعودية اليوم.
في الختام، ستبقى التحديات قائمة ما دامت طموحات الدول في تطور مستمر، ومنها تفاوت المصالح الوطنية لكل بلد، حيث قد يكون من الصعب على الدول التوصل إلى اتفاق بشأن أهداف وخطط خفض الانبعاثات، خاصةً إذا كانت مصالحها الوطنية مختلفة. ومن التحديات أيضا نقص أو تناقص الثقة، وقد يكون من الصعب بناء الثقة بين الدول، خاصةً إذا كان لديها تاريخ من الخلافات والمشاكسات والمناكفات السياسية عبر التاريخ. أيضاً يبقى من أهم التحديات عدم كفاية الموارد، بحيث قد لا يكون لدى الدول الأعضاء في هذه التحالفات الموارد اللازمة لتحقيق أهدافها سواءً المالية أو البشرية أو التقنية أو غيرها، ما قد يشكل عائقا لدى تحقيق هذه التحالفات والالتزامات الدولية، التي يفترض أن من أهداف هذه الاجتماعات التعاون معاً لتذليل الصعاب التي تواجه كل دولة بما لدى الدول الأخرى، بحيث يتحقق مفهوم تعزيز العدالة المناخية التي تساعد على ضمان مشاركة الجميع لمكافحة تغير المناخ وتقليل البصمة الكربونية لكل دولة.