الدبلوماسية الرقمية .. ريادة سعودية في مسار جديد للنفوذ العالمي
لم تعد قوة الدول محصورة في الأداء الاقتصادي والثقل العسكري، بل امتدت لتشمل محددات أخرى، أفرزها التطور التكنولوجي، حيث فرضت الرقمنة مؤشرات جديدة لقياس تأثير الدول في العالم، بينها مدى حضور هذه الدولة أو تلك في العالم الرقمي.
أضحت "الدبلوماسية الرقمية" نطاقا حديثا في عالم الدبلوماسية، تحتدم فيه المنافسة بين الدول، ومسارا جديدا للنفوذ العالمي، حتى قيل إن "الدول التي لا تستطيع الدفاع عن مصالحها في المجال الرقمي، ولا حتى حماية نفسها من تبعات الحرب الإلكترونية، هي بمنزلة دول ضعيفة".
تمزج الدبلوماسية الرقمية، فورة التكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي، بالاستراتيجيات المعروفة في الدبلوماسية التقليدية، لتنسج بشكل تدريجي معالم ثورة جديدة في السياسة الخارجية للدول، غيَّرت كثيرا من قواعد الدبلوماسية في المشهد العالمي.
خلافا لرأي يعدها دبلوماسية موازية، على غرار أنواع أخرى تستعين بها الدول، دعما لسياستها الخارجية، تعد الدبلوماسية الرقمية دبلوماسية قائمة بذاتها، تمتلك أسلوبا خاصا، قوامه السرعة في التفاعل، وطرق اشتغال تختلف عن نظيرتها التقليدية، ذات الأصول والأعراف والبروتوكولات العريقة.
ما يجعلها بذلك تصنع الفارق وتحقق التميز، بزيادة الإدراك المتبادل بين الدولة والجمهور الخارجي، من خلال المساهمة في بسط السياسية الخارجية، بأهدافها ومقاصدها وسياقاتها، على أوسع نطاق، بعيدا عن أي تشويش أو تحريف. كما أنها تحجب المسافات، باعتماد الخدمات الرقمية للأفراد (السفارات الرقمية).
بات لدى معظم حكومات العالم؛ أكثر من 90 % وفق خبراء، حضور في العالم الرقمي، على إحدى المنصات الاجتماعية أو أكثر، تفعيلا للدبلوماسية الرقمية، فالتواصل هناك على نطاق واسع، وبشكل سريع وفوري، مع كل الفئات ولا سيما الشباب، فضلا عن كونه فضاء مثاليا لردع الإشاعات والأخبار الكاذبة قبل انتشارها، ما سهل على الدول صناعة الرأي العام الدولي والتأثير فيه بشكل إيجابي.
ينظر كثيرون إلى دعوة الاتحاد الأوروبي، منتصف 2022، الدول الأعضاء لأن تصبح الدبلوماسية الرقمية عنصرا أساسيا في العمل الخارجي للاتحاد، باعتبارها منعطفا في تاريخ هذه الدبلوماسية، خصوصا بعد الإعلان عن مركز عالمي للتكنولوجيا الرقمية والابتكار في سان فرانسيسكو، يعمل على تعزيز الدبلوماسية الرقمية مع الولايات المتحدة.
واشنطن بدورها، أعلنت، العام الماضي، عن إستراتيجياتها الخاصة بمجال الفضاء الإلكتروني والسياسة الرقمية "نحو مستقبل رقمي مبتكر وآمن ويحترم الحقوق"، الرامية إلى تعزيز الدبلوماسية الرقمية وتكريس التضامن الرقمي بين الدول.
خطوات أوروبية متأخرة قياسا بما حققت دول أخرى، فمثلا كانت السعودية سباقة إلى العناية بهذا المجال، بعد تأسيسها بمعية 4 دول (البحرين والأردن والكويت وباكستان) منظمة التعاون الرقمي، في نوفمبر عام 2020، ضمن مساعيها لتسريع التحول الرقمي حول العالم، التي باتت تضم في عضويتها الآن 9 أعضاء، بعد انضمام نيجيريا وعمان والمغرب ورواندا.
شهدت الرياض في فبراير الماضي، تنظيم منظمة التعاون الرقمي، النسخة الثالثة لملتقى الدبلوماسيين، بهدف تعزيز الدبلوماسية الرقمية بسد الفجوة بين العالم الرقمي والدبلوماسية، من خلال مواكبتها لمستجدات عالم التقنية، والسعي لتحقيق أفضل استثمارها لها.
وفقا لمؤشر أفضل الدول المطبقة للدبلوماسية الرقمية، تبقى السعودية من الدول الرائدة في المجال، إذ قفزت 13 مركزا في الترتيب العالمي، من المرتبة 29 عام 2016 إلى المركز 16 عالميا، بعد سنتين فقط من إطلاق رؤية 2030. وتحتل حاليا المرتبة 7 عالميا متقدمة على دول مثل: كندا (9) والمملكة المتحدة (10) واليابان (13) وألمانيا (17).
إيمانا بأهمية الدبلوماسية الرقمية عمدت النرويج إلى تعيين كاسبر كلينج، الدبلوماسي السابق في إندونيسيا، أول سفير تكنولوجي في التاريخ، يتولى مهمة الدفاع عن مصالح بلاده لدى شركات التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي.
اختارت الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها، تكليف نيت فيك بمهمة أول سفير متجول لوزارة الخارجية لشؤون الفضاء الإلكتروني والدبلوماسية الرقمية، للدفاع عن أجندة واشنطن الرقمية.