التضخم والنمو في حالة تباين
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، تظل قضيتا التضخم والسياسات النقدية في صدارة اهتمام البنوك المركزية وصناع السياسات الاقتصادية، البنوك تركز على مكافحة التضخم ولن تخفض أسعار الفائدة حتى يكون هناك تأكيدات معقولة بأن التضخم يتجه نحو 2 % رغم انخفاض أسعار المستهلكين عالميا إلى ٤.٥ %، إلا أن التضخم في قطاع الخدمات لا يزال يشكل عقبة فالتضخم في الخدمات يوضح زيادة الأجور وتكاليف التشغيل، ما يصعب السيطرة عليه مقارنة بتضخم السلع.
هناك إشارات مبكرة بتحسن التوقعات 2025. ارتفاع أسعار الفائدة أثر سلبا في قطاعي المساكن والائتمان، ما أدى إلى تراجع الاستثمارات بسبب زيادة تكاليف خدمة الدين. في الولايات المتحدة، تراجعت مبيعات المنازل وكذلك الصين وفي معظم الدول، ما يوضح تأثير السياسات النقدية المتشددة.
منذ أواخر 2022، يشهد التضخم تراجعا بطيئا إلا أن الأوربيين أكثر تفاؤلا من الأمريكيين بشأن عودة النمو وتراجع التضخم ونمو العمالة، خاصة في الربع الأخير من 2024، هذا التفاؤل الأوروبي يمكن تفسيره بالسياسات الاحتوائية المتبعة والتركيز على الابتكار والتكنلوجيا في ظل تخصيص ميزانيات دعم لذلك في الاتحاد الأوربي على سبيل المثال.
في الولايات المتحدة صناع السياسات الاقتصادية مترددون في تخفيف التشديد النقدي، رغم التقدم في النسبي في السيطرة على التضخم على أساس سنوي منذ 2021، المخاوف تعود إلى التضخم ذاته وإلى المخاوف الجيوسياسية والعوامل الاقتصادي العالمية التي قد تؤثر في المكاسب الصعبة في الاقتصاد الأمريكي. لذلك، حتى مع التفاؤل الحذر، لن يخفض الفيدرالي أسعار الفائدة لتجنب أي مفاجآت سلبية محتملة. هذا الحذر يوضح مخاوف تكرار سيناريوهات سابقة حيث أدى التخفيف المبكر إلى عودة التضخم، مثلما حدث في السبعينيات عندما أدت سياسات التخفيف السريع إلى موجات تضخمية جديدة لم يعالجها التشديد منفردا، بل تم تأسيس لجنة لتنظيم الأسعار.
الدول الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل تدعم السيولة بطرق متنوعة لكنها تواجه تحديات بسبب أسعار الفائدة المرتفعة التي تزيد من تكاليف خدمة الدين، من المرجح أن تظل ميزانياتها تحت الضغط وبين الحاجة إلى النمو وتكاليف الديون المرتفعة. في الصين تأثر نسق معدل النمو بسبب التأثيرات النقدية والنهد أيضا تواجه تحديات، ولكنها أقل من جارتها الصين.
في الختام، يعيش العالم بين التفاؤل الحذر بشأن تراجع التضخم وعودة النمو النسبي، وبين عدم اليقين من تحديات السياسات الاقتصادية والمشكلات الجيوسياسية التي تؤثر في الاقتصاد العالمي ولتحقيق استقرار اقتصادي مستدام، يجب على الدول التنسيق بشكل أكبر في سياساتها الاقتصادية والتجارية كما أن التعاون الدولي وتبادل الخبرات يمكن أن يساعد على مواجهة هذه التحديات المشتركة وتحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة واستقرارا.