استدامة القدرة على تحمل الدين
عند النظر إلى التحديات الاقتصادية والتنموية الماثلة أمام الاقتصادات النامية في مواجهة أزمة تغير المناخ، هناك اعتقاد غالب بأن الديون، في أحسن الفروض، هي أحد عوامل التعقيد، وفي أسوأها، مصدر كثير من مشكلاتنا. وتوجد أسباب وجيهة لهذا التصور. فالدين العام الآخذ في الازدياد في العالم النامي -وما يصاحبه من فواتير الفائدة المرتفعة للغاية- يؤدي إلى تحويل الأموال العامة عن برامج الصحة والتعليم التي تعاني بالفعل من نقص التمويل. وهو ينطوي أيضا على تهديد بدفع مزيد من البلدان إلى حالة المديونية الحرجة مباشرة، وإعادة مزيد من الأشخاص إلى هوة الفقر.
وعلى الرغم من ذلك، لا مفر من حقيقة أن الدين سيظل عنصرا حيويا من عناصر تمويل احتياجات الاقتصادات النامية لتحقيق أهدافها للتنمية المستدامة -ولا سيما الصمود في مواجهة تغير المناخ- وتحقيق إمكاناتها في مجال التنمية الاقتصادية بصفة أعم. ومن ثم، يتمثل التحدي في "تحسين" عمليتي الإقراض والاقتراض على حد سواء. ما معنى هذا؟
على الرغم من وجود تركيز كبير على أسعار الفائدة المرتفعة للغاية التي تدفعها بعض الاقتصادات النامية على إصدارات سندات يوروبوند منذ بداية 2014، فإن مشكلة تكاليف الاقتراض المرتفعة التي لا يمكن استدامة القدرة على تحملها واضحة أيضا في الإقراض الذي يقدمه القطاع الرسمي. وفي الحقيقة، أماطت الزيادة الأخيرة في أسعار الفائدة العالمية اللثام عن وجود إطار معيب للإقراض الذي يقدمه صندوق النقد الدولي للبلدان متوسطة الدخل لم يعد يدعم استدامة القدرة على تحمل الدين. وهذا الإطار في حاجة ماسة إلى إصلاح. غير أن العالم قد شهد تغيرا جذريا على مدى السنوات الـ25 الماضية. بداية، تحول صندوق النقد الدولي من امتلاك أرصدة وقائية بلغت 6.2 مليار دولار في إبريل 1999 إلى 33 مليون دولار تقريبا في إبريل 2024. وقد نجح أيضا في صنع محور توجد حاجة ماسة إليه، عن طريق التوسع التدريجي في دوره بوصفه مقرض الملاذ الأخير ليصبح شريكا لبعض البلدان الأفقر والأكثر هشاشة في العالم في وقت تعرضت فيه قدرتها على الحصول على السيولة لضرر شديد.
بدءا من يونيو من هذا العام، سيكون الحد الأدنى لسعر الفائدة الكامل مستحق الدفع على المبالغ المنصرفة من حساب الموارد العامة (وهو يشمل المبالغ المنصرفة من اتفاق الاستعداد الائتماني، وتسهيل الصندوق الممدد، وأداة التمويل السريع) قد ارتفع إلى 5.1 % سنويا، مع سداد الكيانات السيادية 7.1 % على الجزء من مسحوباتها الذي يتجاوز 187.5 % من الحصة. أما التزامات حساب الموارد العامة القائمة لـ3 سنوات أو أكثر (أو 4 سنوات في حالة تسهيل الصندوق الممدد - أقل من نصف مدة أجل الاستحقاق النهائي) فقد سجلت اليوم سعر فائدة قياسي بلغ 8.1 %. ولا يمكن لصندوق النقد الدولي القول إن برامجه للإقراض تتمتع باستدامة القدرة على تحمل الدين في الأصل عندما لا يمكن وصف الإقراض الذي يقدمه للبلدان متوسطة الدخل مستداما.
لا عجب، إذن، من أن كثيرا من البلدان متوسطة الدخل أصبحت أسيرة برامج دائمة، أي الاقتراض من الصندوق لا لشيء سوى للسداد للصندوق. وهذا أمر سيء للمقترضين السياديين، وليس جيدا للصندوق، وأيضا ليس جيدا للأشخاص الذين من المفترض أن يخدمهم الصندوق. لقد مرت 45 سنة منذ آخر إصلاح لتسهيل الصندوق الممدد في 1979. والحقيقة أن تقديم فكر جديد من إدارة ومساهمين، نعرف أنهم يتسمون بالتفاني والقدرة، بشأن دعم صندوق النقد الدولي البلدان متوسطة الدخل قد تأخر كثيرا.
ومع مواجهة الأزمات المتعددة في بداية القرن الحادي والعشرين، تحتاج البلدان متوسطة الدخل ترتيبات إقراض ملائمة للغرض المطلوب. وقد حان الوقت لكي يحوِّل صندوق النقد انتباهه إلى تنفيذ إصلاح أساسي في ترتيبات الإقراض القائمة للبلدان متوسطة الدخل.