التلاعب في الأسهم الأمريكية والسعودية

نسمع بين والحين والآخر عن الجهود الكبيرة التي تقوم بها هيئة السوق المالية السعودية للحد من التلاعب في سوق الأسهم، وفي المقابل فإن أسواق الأسهم الأمريكية تواجه الصعوبات ذاتها، لا سيما أنها أسواق عريقة وكبيرة ومجزية للمتلاعبين بحكم السيولة اليومية المهولة فيها، وبالفعل هناك حالات تلاعب كثيرة، إلى جانب أشكال عديدة من التجاوزات والمخالفات ترصدها هيئة الأسواق الأمريكية وتنشر تقارير عنها دوريا، ووصل عدد هذه الحالات إلى 784 حالة في 2023، تم من خلالها استعادة 3.4 مليار دولار أرباحا غير مستحقة، ومبلغ 1.6 مليار دولار عقوبات مدنية، منها 930 مليون دولار تعويضات للمستثمرين المتضررين، إضافة إلى 600 مليون دولار تم منحها لمن يتعاون مع الهيئة الأمريكية في الإبلاغ عن هذه التجاوزات.
تركيبة الأسواق الأمريكية معقدة أكثر من السوق السعودية التي تتميز حاليا بمركزية التداول والمقاصة وعدم السماح للوسطاء بالقيام بما يعرف بمطابقة الأوامر الداخلية، أي: تنفيذ الصفقات داخليا دون عرضها على نظام الأوامر في "تداول". هذا الفارق الكبير في آلية تنفيذ الصفقات مهم للغاية، ويأتي في مصلحة السوق المالية السعودية، بينما في الأسهم الأمريكية هناك عدة أسواق مالية تقليدية وإلكترونية، وهناك منظومة صناعة سوق ضخمة يتنافس فيها آلاف من صناع السوق، إلى جانب اختلاف كبير ومهم مصدره السماح للوسطاء بتوجيه أوامر العملاء إلى أطراف أخرى، وليس بالضرورة إلى السوق المالية كبورصة نيويورك أو ناسداك أو غيرها، فأصبحت عملية تنفيذ الصفقات أكثر صعوبة عنها في المملكة. 
الفائدة من تنفيذ أوامر العملاء بعيدا عن مركزية السوق المالية واضحة لصناع السوق كون ذلك مجال عملهم ويستفيدون من ارتفاع حجم السيولة، أما الوسيط فهو الآخر يستفيد من المقابل المالي الذي يتحصل عليه من تلك الأطراف الوسيطة، وأما العملاء فيستفيدون من خفض تكلفة عمولة التداول، التي أصبحت صفرا لدى كثير من الوسطاء. هناك وسطاء لديهم عدة ملايين من العملاء وحين يكون هناك طلب شراء من عميل في الوقت الذي يكون فيه أمر بيع من عميل آخر فيكون من المناسب إجراء الصفقة داخليا وتجنب تكاليف تنفيذها لدى السوق الرئيسة، وهذا بالفعل ما يحدث لدى كثير من الوسطاء. لكن هناك تنظيما مهما للغاية يمنع تلاعب الوسطاء بالأسعار، فأنظمة الأسواق المالية تشترط على هؤلاء الوسطاء ألا يكون هناك تنفيذ لأي صفقة بسعر أسوأ من السعر الرسمي القائم وقت تنفيذ الصفقة.
للإيضاح، لكل سهم متداول سعر شراء رسمي، أو السعر الوطني السائد لدى السوق المالية الرئيسة، ومثله سعر بيع رسمي، ويجب ألا يتم تنفيذ صفقة شراء داخلية بسعر أعلى من السعر الرسمي ولا صفقة بيع بسعر أقل من السعر الرسمي، لذا في حقيقة الأمر من المفترض أن يستفيد العميل ليس فقط من عدم دفع أي عمولة، بل كذلك من ضمان الحصول على سعر أفضل من السعر الرسمي، حيث ينتج عن ذلك التنفيذ للعميل بسعر أفضل ولو بأجزاء صغيرة من السنت الواحد. ومع ذلك لا يزال هناك مجال للتلاعب، ليس بسبب إمكانية التنفيذ بأسوأ من السعر الرسمي، فهذا أمر صعب للغاية، بل بسبب التلاعب بالسعر الرسمي ذاته، الحالات التي تهتم بها الهيئة الأمريكية إمكانية إجراء عمليات وهمية من شأنها توجيه سعري الشراء والبيع الرسميين بطريقة تستفيد منها الجهة التي تقوم بعمل الصفقات داخليا. أشهر طريقتين للقيام بذلك طريقة إدخال العروض الوهمية وسحبها، وطريقة التنفيذ من خلال سلسلة من أوامر البيع أو الشراء الفعلية، تليها عمليات معاكسة.
التحديات أمام ضبط السوق المالية السعودية كبيرة وستزداد صعوبة مع كبر حجم السوق وتنوع مكوناتها وتعددها كنتيجة حتمية لتطوير السوق والقطاع المالي عموما، حيث من المتوقع أن تنمو السوق المالية السعودية في المستقبل وقد تضطر إلى العمل بمثل هذه المنهجيات وستواجه التحديات ذاتها.            
 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي