إصلاح جذر التضخم العالمي

التضخم العالمي يأتي عادة من منطقتين أساسيتين: أمريكا، أوروبا، يعزى ذلك إلى النظام الاقتصادي العالمي الحالي الذي يعتمد على النظام النقدي في إدارة الاقتصاد. بمعنى آخر، من يستطيع إصدار سندات أكثر وبثقة هو من يتحكم بالتضخم العالمي، ولذا يظهر الاقتصاد الأمريكي كمحرك أساسي للاقتصادي العالمي.
انتهجت أمريكا خلال العامين الماضية سياسة مالية توسعية لتحقيق النمو من خلال السياسات المالية ومحاربة التضخم، على سبيل المثال: تعمل على تقديم أكثر 400 مليار دولار من الإعانات للاستثمار الأخضر، وهي سياسة فعال في تحفيز الاستثمار في البناء والتصنيع في مجالات الطاقة والمناخ، ما أدى إلى ارتفاع معدلات تشغيل العمالة، ومع ذلك ، يعبر المستهلكون في الإعلام عن حالة تشاؤم، إذ إن الصورة التي يعيشها المواطن الأمريكي العادي منفصلة البيانات الاقتصادية، ويرجع هذا الانفصال إلى انخفاض مدخرات الأسر والفجوة في الأجور، وبالتالي لم تعد بيانات الناتج المحلي الإجمالي تترجم وتوضح بالضرورة رفاهية المواطن الأمريكي.
 أسهمت حالة التضخم الناتجة عن جائحة كوفيد-19 في تراجع الطبقة المتوسطة، خاصة مع ارتفاع تكاليف السكن رغم زيادة الدخل الحقيقي للأسرة الأمريكية 16 % إلا أن الأسعار ارتفعت بشكل يفوق هذه النسبة بكثير.
يرجع الانفصال بين البيانات الاقتصادية والواقع إلى أن التضخم له اتجاهات متعددة ومتغيرة، لكن ذلك لا يمنع من الاستمرار في محاربة التضخم، حتى لو تكن هناك نتائج قريبة. فقد خلف التضخم وراءه ضحايا قد يعيشون فترات طويلة جدا في وضع اقتصادي ضعيف حتى مع تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية.
من جانب آخر: قد تؤدي الانتخابات الأمريكية المقبلة إلى وعود انتخابية تؤثر في الاقتصاد الأمريكي وتفقده جزءا من المكاسب التي حققها في محاربة التضخم بين عامي 2022 و2023 مثل تخفيضات ضريبية كبيرة، هذا سيؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي وتنامي العجز.
وإذا نظرنا إلى الماضي، نجد أن أمريكا استعرقت نحو 10 سنوات خلال فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات للانتصار على التضخم. لذلك الحرب الحالية على التضخم قد تستغرق عددا مشابها من السنوات، لكن بمستويات أقل توترا، حيث كان معدل الفقر العالمي آنذاك لا يقل عن 43 % أما اليوم فإنه لا يزيد 9 %.
أخيرا: مع أن القوة النقدية بيد الاقتصادات المتقدمة والقوة الإنتاجية بيد الدول الناشئة تظل محاربة التضخم تحديا مستمرا لدى جميع الدول، هذا الوضع أدى إلى تناقضات في الأداء الاقتصادي العالمي، والتضخم ليس إلا أحد نواتجها. ثم إن الفجوة بين الواقع المعيشي والبيانات الإحصائية والاقتصادية تؤكد الحاجة إلى تضافر الجهود الدولية لمحاربة التضخم وإعلان النصر عليه من خلال ميثاق عالمي لإصلاح العلاقة بين القوة النقدية والقوة الإنتاجية للدول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي