تخمة أمريكية في صنع الديون
"اقتصاد الولايات المتحدة مزدهر، ولم يكن أفضل مما هو عليه الآن"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
ينعم الاقتصاد الأمريكي بالمرونة، رغم كل الأزمات التي ظهرت بقوة على الساحة المحلية والعالمية مطلع العقد الحالي. وهذه المرونة وفرت له مزيداً من القوة في معالجة المطبات الاقتصادية في الفترة الماضية، ما جعلته الأفضل أداء بين الاقتصادات الغربية كلها. إلا أن الفجوة الخاصة بالدين العام لا تزال واسعة، وسط عدم توقف الاقتراض الحكومي. وهذا ما يفسر بالتأكيد "المعركة" التي باتت سنوية بين المشرعين بشأن رفع سقف الدين، إلى درجة أن المواجهة الأخيرة، دفعت وزيرة الخزانة جانيت يلين إلى القول علناً، إن بلادها قد تتخلف عن السداد، في حال استمر الخلاف. لكن كما هو متوقع تم حل المسألة، انتظاراً لمواجهة مماثلة في "الموسم" المقبل.
الدين الأمريكي كبير، ويرتفع بصورة متواصلة، والنمو الحقيقي للاقتصاد الأمريكي حالياً (بالرغم من قوته) لا يقدم تطمينات قوية للمشهد العام، مع التأكيد على أن أكبر اقتصاد في العالم، قادر حقاً على التكيف مع الظروف العالمية المتغيرة. لكن التحذيرات من الدين العام باتت الحاضر الدائم في المراجعات الدورية، حتى أن صندوق النقد الدولي، طالب أخيراً الإدارة الأمريكية بضرورة رفع الضرائب ليس على الأغنياء فقط، بل على الأسر ذات الدخل المتوسط، للسيطرة على ارتفاع مستويات الديون. دون أن ننسى، خطورة ارتفاع العجز المستمر أيضاً، الذي يشكل خطراً حقيقياً على الاقتصاد المحلي والعالمي في آن معاً. صحيح أن عجز الولايات المتحدة عن السداد يعد من الأمور غير الواقعية، لكن الصحيح أيضاً أن ضغوط الديون باتت هماً لا يغيب.
يرتفع الدين الأمريكي بمعدل جنوني بنحو تريليون دولار كل 100 يوم! وبلغ حالياً 34.58 تريليون دولار، ما يوازي الناتج المحلي الإجمالي لكل من الصين واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا مجتمعة. وهو يساوي أكثر من 120 % من الناتج المحلي الأمريكي، في حين كان قبل أزمة جائحة "كورونا" بحدود 97 %. ولا شك في أن السبب الرئيس وراء هذه الزيادة الهائلة، يعود إلى ما يمكن وصفه "سخاء" الإدارتين السابقة والحالية، الذي شمل في عهد إدارة بايدن أيضاً إعانات للصناعة والبنى التحتية. فالاقتراض هو أسهل طريقة لمواجهة الالتزامات المالية الوطنية بالنسبة لهما. والحق، أن غالبية الحكومات في البلدان المتقدمة تلجأ للاقتراض حتى أن دين اليابان (مثلاً) يبلغ حالياً 262 % من حجم ناتجها الإجمالي.
لا يمكن أن تقدم الإدارة الحالية (على الأقل في الوقت الراهن) على رفع الضرائب، كما طلب صندوق النقد الدولي. فموسم الانتخابات الرئاسية بدأ مبكراً حتى قبل أن يتحدد المرشحون نهائياً. والشيء الوحيد المتوافر، هو دعم آليات النمو الذي يتوقع أن يبلغ هذا العام حدود 2.7 %، والتخفيف التدريجي من الفائدة المرتفعة، ولا سيما أن المسار للسيطرة على التضخم يشهد تقدماً كبيراً، وبات مضموناً لبلوغ 2 %، الحد الرسمي المستهدف له. ولا شك، في أن طبيعة الاقتصاد الأمريكي في الوقت الراهن، تساعد على تحقيق نقاط عدة في هذا السياق، خصوصاً الأداء الاستثنائي له، الذي تحدى حتى أولئك الذين نشروا رؤى متشائمة جداً له. هذا الأداء، أسهم حتى في تهدئة المخاوف التي تلف الاقتصاد العالمي، وفق مؤسسات دولية معنية بهذا الخصوص. الدين الأمريكي سيبقى حاضراً في العقد الحالي على الأقل، لكن يمكن السيطرة عليه، عبر سلسلة من الإجراءات. وإذا لم تنجح هذه السيطرة، فلا غرابة في أن يصل إلى 140 % من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.