الكثير يقال عن السيولة ولكن!

لا يكاد حديث مالي يمر إلا وتسمع بعضهم يردد "السيولة" غالبا دون تحديد ما هو المقصود. السيولة دائما مهمة في التعاملات المالية أيا كانت لأنها تؤثر في السعر والثقة والطمانينة وانسيابية المنظومة المالية والاستثمارية وبالتالي الحراك الاقتصادي. يقال إن السيولة في لغة الرياضيين هي المشتق الثاني من السعر -تعبير عن مدى العلاقة المباشرة بين السيولة والسعر. لكن ماهي أنواع السيولة؟. هناك 4 أنواع أساسية من السيولة. سأبدأ بالدائرة الأولى ومن ثم الدوائر الأخرى.
الأول، هناك السيولة العامة التي ممكن أن نعرفها بأنها توفر المصادر المالية في المنظومة البنكية لتوظيفها في مدفوعات التعاملات البنكية. فمثلا ما نقول عن سايبور، فلو حدث خلل في منظومة الدفع في البنك المركزي (ساما) فلن تصل الرواتب ولن تشتغل أجهزة الصرف. حدث ذلك تقريبا حتى في أمريكا أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008.
تستطيع البنوك توظيف احتياطاتها لدى "ساما" لتسديد التزامتها نحو بعض وحتى للحصول على الأوراق النقدية في الحالات الماسة ولكن لا تستطيع توظيف المال لإنقاذ أسواق المال والعملات كما يعتقد بعضهم، ساما هي الوحيدة المعنية بضخ أو تحجيم هذا النوع من السيولة في النظام المصرفي، ربما توفير النقد الورقي هو الاستثناء. لذلك حصة البنوك من الاحتياطات تتغير ولكن المجموع يخضع لسياسة ساما. لذلك هذا النوع من السيولة يعد "خارجيا" قياسا على الأنواع الاخرى لأن ساما ليس حراك الفعاليات المالية والاقتصادية ما يحركه.
الثاني، السيولة في العملة الصعبة المتمثلة في العلاقة الثابته بين الريال والدولار وبالتالي الترابط في السياسة النقدية. علاقة حساسة بسبب ميزان المدفوعات. توفر الأرصدة والثقة في سياسة السعودية الحصيفة وثبات سياسة الطاقة عوامل تسهم في استقرار سيولة الصرف والنقد الأجنبي.
الثالث، سيولة الإقراض التي تظهر في قدرة المقترضين الحصول على القروض أو إعادة تجديدها. هناك أنواع متعددة مثل القروض والتسهيلات المصرفية المباشرة، وإصدار السندات والتعهدات التجارية، هذه الأنواع الجزئية من السيولة تتوفر و تخضع لمستوى الأخطار وليس الاحتياطات البنكية. بعضهم قد يفاجأ بهذا التعريف لأن كثيرين اعتادوا على أن هناك علاقة، بل أن أغلب الدراسات تشير إلى ضعف العلاقة بين الاحتياطات البنكية ونشاط الإقراض. قد تكون هذه العلاقة أقوى في حال السعودية ولكن نحتاج دراسة أوسع للوقوف على الحالة.
الرابع، سيولة صانع السوق أو سيولة المعاملات. هذا النوع سبق أن كتبت عنه في عمود في الاقتصادية. أعرّفها بأنها سهولة المشاركين في الأسواق لبيع وشراء الأصول المالية و تحويلها إلى نقد. عادة يعبر عنها فنيا بتقارب سعر البيع والشراء، وتذبذب الأسعار، وعمق الأسواق. كل المجربون في الأسواق يعرفون مدى حساسية مستوى السيولة أثناء ارتفاع أو هبوط الأسواق. عادة هذا النوع يتأثر مباشرة بمستوى الأخطار كما يراها المتعاملون، والبيئة التنظيمية، وهيكل السوق. ربما المهم في حال السعودية التفكير في الفرق بين سيولة العقار لأنه أكبر الأصول والاسهم وبقية الأوراق المالية. رأينا كيف التصحيح الأخير في سوق الأسهم كما أشرت في عمود سابق إلى مسببات التصحيح، بالرغم من أن السيولة في سوق الأسهم السعودي لا تزال صحية ومريحة.
النوع الأول والثاني إلى حد أقل فقط تحت إدارة البنك المركزي ولكن النوعين الآخرين غالبا يحددها مستوى الأخطار كما يراها المشاركين في الأسواق. أثبتت تجربة السعودية ممثلة بساما ووزارة المالية والسياسات الاقتصادية العامة نجاح وتفوق خاصة على المستوى الإقليمي وحتى العالمي لأن القطاع المصرفي ملتزم بمعايير دولية في الملاءة المالية وحسابات الأخطار والسيولة. يثبت ذلك في تصنيف البنوك الأخير من وكالة "فيتش" وحجم السوق المالي ومستوى التعامل في سوق الأسهم السعودية كأكبر سوق في المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي