الاستثمار الجريء واكتمال الرحلة
أظهر أحدث تقرير يرصد نشاط الاستثمار الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من (ماجنيت) استمرار تفاعل المستثمرين مع ما يطرح من فرص في المنطقة وعلى وجه الخصوص استمرار نشاط الاستثمار الجريء في السعودية حيث تجاوزت صفقات النصف الأول 400 مليون دولار، كانت السعودية الأولى على رأس قائمة قيمة الصفقات والثانية على القائمة من حيث أعداد الصفقات المنفذة خلال النصف الأول العام الحالي، يستمر اهتمام المستثمرين بالفرص الاستثمارية بكل ما له علاقه بخدمات التقنيات المالية، التجارة الإلكترونية، الخدمات اللوجستية والبرمجيات، هذا اهتمام مبرر كون الأغلبية العظمى من قصص النجاح في الاستثمار الجريء في السعودية والمنطقة جاءت من هذه المسارات الأربعة.
ليس بالمستغرب على أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يكون الأكبر من حيث قيمة الصفقات والاهتمام من المستثمرين ومؤسسي الشركات الناشئة على حد سواء. إلا أن اللافت في الأمر حقيقة النجاح الحكومي وشبه الحكومي في بناء بنية تحتية جاذبة للاستثمار الجريء استطاعت من خلاله تحفيز مزيد من الابتكارات في الأعمال وأيضا استقطبت عديدا من الفرص من المنطقة والعالم لتكون السعودية مقرا لها، والأهم كذلك عودة شركات ناشئة أسست على أيدي أبناء الوطن إلى السعودية بعد ما طورت الأنظمة والتشريعات سواء التمويلية أو التنظيمية لتحتضن طبيعة تأسيس من هذه الشركات الناشئة في البلاد.
بدأت النقلة النوعية للاستثمار الجريء منذ العام 2018 عندما أسست هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة مرورا بتأسيس الشركة السعودية للاستثمار الجريء ومن ثم تأسيس بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومن المراجعة الكاملة للأنظمة والتشريعات التي على أساسها تؤسس الشركات وصولا إلى المبادرات الوطنية التي تعمل على تشجيع راود الأعمال على تأسيس أعمالهم التجارية إن كان من خلال حاضنات الأعمال أو البرامج التمويلية، أسهم هذا التطور في البنية التحتية في الوصول إلى أكثر من 70 كيانا وصندوقا استثماريا يهتم في المشاركة في جولات الاستثمار الجريء بجميع مراحلها لبناء منظومة استثمارية صحية.
أسهمت هذه التغييرات في البيئة الاستثمارية في السعودية في مزيد من الانجذاب من قبل مستثمرين جدد أو أفراد إلى الاستثمار الجريء والملائكي وهذا دلالة إلى أن التغيرات التي شهدناها فتحت الأبواب أمام المستثمرين للولوج إلى وعاء استثماري إضافي أتيح أمامهم.
إن طبيعة الاستثمار الجريء تعمل على أساس المراهنة على 3 عناصر رئيسة: احترافية المؤسسين, حجم السوق المستهدف ووضوح آلية التخارج، بالرغم من أن العناصر الثلاثة تبدو واضحة للمتطلعين، فإن الوصول بأي من الشركات الناشئة إلى بر الأمان عمل شاق يتطلب الاستمرار في النمو والوصول إلى سيولة نقدية أكبر تساعد على تمويل الاستمرار والتوسع, لذلك فإن نسبة نجاح الشركات الناشئة عالميا منخفض جدا ولا يمكن في كل مرة أن يتكرر نموذج أوبر، جاهز أو هنقرستيشن على الدوام.
ففي العالم وبحسب إحصائيات مؤرخة لعام 2022 فإن العالم يشهد نشأة أكثر من 300 مليون شركة ناشئة جديدة، أقل من 10 % منها يستطيع المواصلة والاستمرار وصولا إلى النضوج ومن ثم الإدراج. لذلك فإن هذا الوعاء الاستثماري يتطلب التنوع أكثر من التركز والسوق ومساحة كافية من الزمن للنضوج بالتجربة التجارية لأي شركة.
للحق نجحت المبادرات الحكومية والصناديق الاستثمارية في إيجاد أرضية ملائمة وصلبة للاستثمار الجريء في السعودية وعلى شركات الاستثمار كذلك دور إضافي في تعزيز هذه الدائرة عبر إيجاد صناديق استثمارية تحتوي العملية الاستثمارية عبر جميع مراحلها من البذرة وصولا إلى التخارج إما عبر الاستحواذ، الاندماج أو الإدراج، لأن تكملة حقلة الاستثمار ستحفز مزيدا من النمو في الشركات الناشئة.