المعلومات .. بين الحقيقة والتضليل
يقول "المنتدى الاقتصادي العالمي WEF" في تقريره السنوي الخاص "بالأخطار العالمية Global Risks"، الصادر أخيرا 2024، إن "التضليل المعلوماتي" هو الخطر الأول على العالم على المدى القصير، أي خلال العامين المقبلين، وهو أيضاً الخطر الخامس على مدى العقد المقبل. ويأتي هذا الخطر بين 34 خطراً على العالم يطرحها التقرير في مجالات "الاقتصاد، والمُجتمع، والبيئة، والجغرافيا السياسية، والتقنية". وتستند هذه الأخطار إلى دراسات إحصائية لآراء مُتخصصين حول العالم.
وقد صنف المُنتدى خطر التضليل المعلوماتي ضمن المجال الاجتماعي عام 2023، لكن هذا التصنيف تغير عام 2024، حيث بات هذا الخطر ضمن المجال التقني. والحقيقة أن قضية المعلومات مُرتبطة بالتصنيفين معا، وبما يرتبط بهما من موضوعات. فهي اجتماعية، في إطار التعاملات بين الناس، وهي تقنية في الوسائل المُمكنة لذلك عبر العالم السيبراني، فضلا عن أن موضوعاتها تشمل كافة جوانب الحياة.
تُنير المعلومات الصادقة عقل الإنسان بالحقائق والمعارف المُفيدة، وتُساعده على التفكير، وعلى اتخاذ القرارات السليمة، والتصرف بحكمة، فضلاً عن رسم الخطط، وتحديد مسيرة المُستقبل، نحو تحقيق أهداف منشودة. وفي المقابل تضع المعلومات المُضللة عقل الإنسان في ظلام البعد عن الحقائق والمعارف السليمة، وتوجهه نحو تفكير ضال، يقود إلى قرارات خاطئة، فضلاً عن رسم خطط، تُحدد مسيرة مُستقبلية تقود إلى نتائج لا تُحمد عقباها. وسنُناقش في التالي مسألة مصادر المعلومات وما يُمكن أن تُقدمه من حقائق صادقة ومعارف موثقة من ناحية، وربما معلومات مُضللة ومعارف خاطئة من ناحية ثانية.
يحتاج التفكير السليم الذي يتطلع إلى تحقيق أهداف منشودة إلى معلومات صادقة تُنير له الطريق. وتشمل المعلومات الصادقة حقائق لا ريب فيها يجري البحث عنها والتحقق من مضامينها، كما تتضمن أيضاً معارف تنتج عن دراسات موثقة مُثبتة بالتجربة، أو بالمنطق العلمي التحليلي. لكن الحقائق قابلة للتعرض لأخطاء في الفهم، أو ربما التزييف. والأمر كذلك بالنسبة إلى المعارف التي يُمكن أن تستند إلى دراسات تتضمن فرضيات خاطئة، أو حسابات تفتقر إلى التوثيق، فضلاً عن احتمالات الغش والتزييف التي ربما تخضع لها.
يُمكن القول، بناء على ما سبق، إن نور الصدق في المعلومات يُواجه تحديين رئيسين يُمكن أن يقوداه إلى ظلام مُضلل. التحدي الأول هو تحدي الخطأ المُرتبط بجمع المعلومات من مصادر غير موثوقة أو غير دقيقة من جهة، وكذلك الخطأ في تنفيذ دراسات، تستند إلى رؤية مشهد غير مُكتمل من العوامل المُؤثرة فيها والمُتأثرة بها، أو ربما تعتمد على فرضيات حالمة في معالجة مُعطياتها وطرح نتائجها من جهة أخرى.
ونأتي إلى التحدي الثاني الذي يتمثل في الغش سواء في طرح الحقائق، أو في تقديم الدراسات. النية في التحدي الأول سليمة، لكن العمل المعرفي المُرتبط بهذا التحدي، يتسم بالضعف. أما النية في التحدي الثاني فهي نية غش وخداع غايتها التضليل. ويُوصف التحدي الأول بتحدي "المعلومات الخاطئة Misinformation"؛ كما يُوصف التحدي الثاني بتحدي "المعلومات المزيفة Disinformation". والنتيجة هي أن كُلاً من هذين التحديين، على اختلاف النية بينهما، يقود إلى ظلام التضليل.
هُناك أمثلة كثيرة في الحياة على كُل من التحديين. ففي التحدي الأول، تحدي الخطأ غير المقصود، كثيراً ما نجد أعمالاً تجارية تبدأ بقوة، ثُم تتراجع بسرعة، نظرا لأنها قامت على أساس دراسات خاطئة، جانبت الصواب. أما في التحدي الثاني، تحدي الغش والخداع، فكثيراً ما نجد معلومات غايتها ذلك على مُختلف وسائل التواصل عبر العالم السيبراني. ولعل، ما يستحق الذكر هُنا، النظر إلى ما يرد عبر هذا العالم، من رسائل خادعة، تستغل أساليب الهندسة الاجتماعية لانتزاع معلومات من الناس، بهدف النصب والاحتيال.، وتحقيق مكاسب غير مشروعة.
لا غرابة، بعد ما تقدم، أن نجد في دراسات المُنتدى الاقتصادي العالمي ما يُحذر، العالم بأسره، من التضليل المعلوماتي. وعلينا بعد هذا التحذير أن نُدقق في فهم الحقائق، وفي توثيق البحوث والدراسات في مُختلف مجالات الحياة، حتى لو سلمت نيات أصحابها. وعلينا قبل ذلك وبعد، الحذر من مصادر المعلومات، وطبيعة ما تحمله من معلومات مزيفة، ربما تحمل إغراءات غايتها تحقيق أهداف خبيثة، عبر اختلاق معلومات لا أصل لها، أو تشويه معلومات تمتعت بالمصداقية قبل ذلك.