تنظيم الأراضي وتخطيط المدن
الاقتصاد الحضري يغطي مستويات متعددة وقطاعات متنوعة، فمثلا يرتبط الإسكان في الاقتصاد الحضري بالأراضي واستخداماتها، حيث تعد الأراضي عنصرا إنتاجيا أساسيا، ولتحقيق نمو سريع ومستدام في القطاع السكني، يعتمد الأمر على توافر التمويل، والأراضي، والتنظيمات اللازمة. لذا يعد العمل بالأسس الإستراتيجية هو الخيار المثالي، مثل إصدار تنظيمات أو ضوابط أو سياسات لاستخدامات الأراضي، وضوابط للحد من تسرب فوائض الأموال القادمة من أرباح القطاع التجاري لغايات تحوط غير رسمية أو للمضاربة في الأراضي السكنية، وجميعها تعطش السوق من المعروض وترفع الأسعار.
وإذا ما كانت تنظيمات استخدام الأراضي متوافقة مع أهداف الاقتصاد الحضري فستساعد على توجيه الفوائض المالية إلى استثمارات أكثر إنتاجية واستدامة وتقليل معدلات البطالة من خلال توليد فرص عمل جديدة في قطاعات متنوعة، خصوصا أن المضاربة في الأراضي لا تولد فرص عمل بل تراكم الثروات التي تؤدي إلى مشكلات في القطاع، كما أن هذا النهج سيعيد الأراضي إلى وظيفتها الإنتاجية وبما يتماشى مع عنصر التمويل العقاري حيث بلغ إجمالي التمويل العقاري 800 مليار ريال.
يعني ذلك أن توافر التمويل والأراضي وضوابط الاستخدام للأراضي يمكن أن تدفع باقتصاد مدننا إلى مستويات جديدة من النمو والتوازن السعري وبدون فراغات عمرانية أو فجوات ما بين العرض والطلب، خصوصاً أن المواطن أصبح يعتمد على المدن بعدما كان يعتمد على الذات في القرية أو البادية، فمن الطبيعي أن توافر الأراضي السكنية وبنسب لا تتخطى تكلفها 30 % من قيمة البناء سيسهم في تحقيق منافع اقتصادية أخرى مثل تحسين مستويات الاستهلاك والادخار والإنفاق على تعليم الأبناء في مدارس خاصة نوعية، والأهم وعلى المدى القصير حماية المصارف من الانكشاف على أزمة عقارية أو عجز من المقترضين عن السداد لأي سبب اقتصادي طارئ.
ومن جانب آخر تحسن أسعار الإيجارات يسهم في تقليل الطلب على الأراضي وطلبات تملك المساكن، لذا المزج بين الاستثمارات الخاصة والعامة مثل دخول صندوق الاستثمارات العامة في الاستثمارات المدرة للدخل من خلال مساكن القطاع العائلي، أي من خلال البناء بهدف التأجير للقطاع العائلي وتوفير ايجارات بأسعار اقتصادية، سيكون قام صندوق الاستثمارات العامة بدرو جوهري في التنمية وفي نهاية المطاف ستكون تلك المشاريع ملائمة للإدراج في سوق الأسهم، وهنا تتجلى نجاحات الدولة في رعاية وتنظيم السياسات بجميع جوانبها من تشريعات ونظم عمل وبرامج وخطط إستراتيجية واستثمارية بالمشاركة مع القطاع الخاص إضافة إلى الإشراف على تنفيذ هذه الخطط في القطاعين العام والخاص على حد سواء.
أود أن أختم المقالة بالتأكيد على أن المدن تخطط للمستقبل، ومن الأهمية بمكان دراسة إلغاء الشوارع التي يقل عرضها عن 20 مترا في المخططات الجديدة، وتكون كذلك ضمن سياسات تنظيم الأراضي. هذا الخيار الإستراتيجي سيسهم في زيادة مساحة الملكية العامة في الأحياء والمدن ويعالج مشكلتي نقص المساحات الحضرية في الأحياء وتراكم المركبات أمام المساكن.
إن هذا ليس مجرد تخطيط، بل هو خطوة أساسية لمعالجة فجوات اقتصادية محتملة في القطاع الحضري مستقبلا، التي يمكن أن تمتد آثارها إلى عقود، لأن معالجة التحديات في الاقتصاد الحضري تتطلب وقتا، ولا تتحقق بين يوم وليلة.