صندوق النقد ومتانة الاقتصاد السعودي

تضمّن أحدث تقييم لخبراء صندوق النقد الدولي لمشاورات المادة الرابعة لعام 2023 مع السعودية، إشادةً أخرى لما تشهده السعودية خلال الفترة الراهنة من استمرار التحول الهيكلي الاقتصادي، الذي بدأ منذ أكثر من 8 أعوامٍ مضت ولا زال مستمراً في اتجاه التنويع الشامل لجميع الأنشطة الاقتصادية تحت مظلة المبادرات والبرامج التنفيذية لرؤية السعودية 2030، وأكّد التقييم النهائي للمشاورات على قوة النشاط الاقتصادي غير النفطي الذي نما بمعدلٍ حقيقي 3.8 % خلال 2023، الذي خفّف بنموّه الجيد بسبب ارتفاع إسهامه في الاقتصاد الكلي من آثار تراجع القطاع النفطي بـ 9.0 %، ليقف تراجع النمو الحقيقي للاقتصاد عند أدنى من 0.8 %.

وأشاد باستقرار معدلات التضخم للعام نفسه عند 2.3 % كأدنى معدلٍ مقارنةً بالكثير من الاقتصادات، والتراجع القياسي في معدلات البطالة بين المواطنين بوصولها إلى أدنى مستوياتها التاريخية عند 7.8 % بنهاية 2023، واستمرار تراجعها إلى 7.6 % بنهاية الربع الأول من العام الجاري، والتأكيد على وفرة الهوامش الوقائية المالية والخارجية بفضل السياسات الاقتصادية والمالية الحصيفة التي تم اتخاذها طوال الأعوام القليلة الماضية، ولا زال أثرها الإيجابي قائماً في المحافظة على الاستقرار والنمو الاقتصاديين للسعودية، والتأكيد أيضاً على أهمية استمرار الأجهزة المالية والنقدية في توخي الحصافة المالية، وحماية الاستقرار المالي، والاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لدعم النمو المستدام والشامل.

لقد تبلور ذلك التقييم الجيد لأداء الاقتصاد الوطني من قبل فريق خبراء صندوق النقد الدولي، انطلاقاً من الالتزام بالسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الحصيفة التي انتهجتها الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، واتساقها مع رؤية السعودية 2030 الساعية لتحوّل الاقتصاد الكلي نحو الاعتماد على تنوّع قاعدة الإنتاج المحلية، والعمل المستمر على استغلال فرص الاستثمار المحلية في جميع قطاعات الاقتصاد، بما يعزز من قدرته على النمو المستدام، وقدرته أيضاً على توليد مزيد من فرص العمل، وتخفيف الاعتماد على النفط وتجنيب الاقتصاد مخاطر التذبذبات المعتادة له في الأسواق العالمية، وبناءً عليه جاءت توصية التقرير لتؤكد أهمية الاستمرار في تصحيح أوضاع المالية العامة في السعودية، التي تستهدف المحافظة على قوة الاحتياطيات الوقائية من جانب، ومن جانبٍ آخر للوفاء بالاحتياجات التنموية عبر الأجيال، بما في ذلك من خلال بذل مزيد من الجهود لتعبئة الإيرادات غير النفطية، واستمرار العمل على الإلغاء التدريجي للدعم المتبقي على الوقود.

وفي المقابل الالتزام بمزيدٍ من تنفيذ البرامج الاجتماعية الحمائية التي تستهدف الفئات المستحقة من المجتمع، إضافةً إلى العمل على احتواء فاتورة الأجور في القطاع العام، والعمل أيضاً على استمرار جهود وسياسات تقليص الفوارق بين مستوياتها للقطاعين العام والخاص. كما كان من أهم ما أشاد به التقرير الأخير للصندوق؛ تأكيده أهمية وإيجابية الجهود الحكومية القوية التي استهدفت مزيداً من تحسين بيئة الأعمال المحلية، على رأس تلك الجهود تسريع عمليات التحول الرقمي وتعزيز الحوكمة، إضافةً إلى أهمية استمرار العمل على تعزيز كفاءة الاستثمارات، وتعميق إصلاحات سوق العمل المحلية، وزيادة مشاركة النساء في القوى العاملة، والاهتمام بتقليص أي فجوات محتملة في مستويات الأجور. كما بيّن التقرير ضمن توصيات الخبراء القائمين على إعداده أهمية أن تظل السياسات الصناعية أداة مكملة لخطة الإصلاحات الهيكلية، وفي الوقت ذاته تجنّب الممارسات التمييزية، التي تؤكّد امتثال السعودية لقواعد منظمة التجارة العالمية، وثناء فريق عمل التقرير على التزام السعودية بتخفيض صافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول 2060.

ينضم التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي إلى كثير من التقارير الدولية، في التأكيد على النتائج الإيجابية لرؤية السعودية 2030، التي أسهم العمل بجميع مبادراتها وبرامجها التنفيذية في الانتقال بمقدرات الاقتصاد الوطني إلى مستوياتٍ أعلى من القدرة والإنتاجية والتنوّع والمرونة، ما أثبته بمزيدٍ من الاستقرار والثبات والتنافسية في وجه الكثير من التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، ما دفع بخبراء الصندوق إلى رفع توقعاتهم للنمو الاقتصادي للعام الجاري إلى 1.7 %، ثم إلى 4.7 % في العام القادم بمشيئة الله تعالى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي