تقنيات لحماية البيئة وتعزيز استدامتها

تُحيط البيئة بنا من كُل جانب وتسمح لنا بالتمتع بعطائها. والبيئة هي حصيلة تأثيرات الطبيعة، التي خلقها الله تعالى، وسخرها للإنسان ومخلوقاته الأخر. وتشمل هذه التأثيرات، مُعطيات الهواء والماء، والجبال والسهول، والبحار والأنهار، والرياح والأمطار، وثروات الأرض وباطنها، وعالمي الحيوان والنبات، وتأثيرات الشمس والقمر، والكون من حول كُل ذلك.

والبيئة، إضافة إلى ما سبق، حصيلة تأثيرات ما قدم الإنسان من وسائط وتقنيات، بينها ما يُعزز نقاء البيئة، وبينها ما يُلوث هذا النقاء. ونحن كبشر، نُريد أن نستمتع بعطاء البيئة النقية، ونبتكر وسائل مُختلفة تُفعّل هذا العطاء، وتُعزز استدامته للأجيال المُتجددة.

يقضي الاهتمام بسلامة البيئة واستدامتها، تقديم تقنيات تهتم بالتعامل الإيجابي معها، وتُحقق الاستفادة الفاعلة منها، والمُحافظة على مُعطياتها، مع الحرص على جعلها سليمة مُعافاة للأجيال المُتجددة في المُستقبل. وقد توجهت السعودية نحو ذلك عندما وضعت تقنيات "البيئة والاستدامة" كأولوية رئيسة بين 4 أولويات، توجه نشاطات قطاع البحث والتطوير والابتكار.

قام المرصد الوطني للبحث والتطوير والابتكار عام 2023، بالتعاون مع خبراء مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، بدراسة استشرافية، تتمتع بنظرة عالمية شاملة، تمكن من خلالها، من اختيار 8 مُنجزات بحثية عالمية في مجال تقنيات البيئة والاستدامة. وطرحت الدراسة أيضاً إنجازاً سعودياً مُتميزاً في هذا المجال. وقد تمثل هذا الإنجاز في إنشاء "شركة هايرك Hyrec" التي ابتكرت تقنية جديدة تختص بمعالجة المياه شديدة الملوحة بطاقة أقل وكفاءة أعلى. وسنستعرض، في التالي، المنجزات البحثية التقنية الـ8 التي أوردتها الدراسة. والغاية من ذلك هي إبراز هذه المعلومات المهمة للجميع، فضلاً عن تحفيز المُتخصصين على مزيد من الإنجاز والتطوير.

شملت المُنجزات البحثية المُختارة، نظاماً يعمل بالطاقة الشمسية، ويقوم بتحويل مُنتجين كيميائيين، غير مرغوبين، ويُطلب التخلص منهما، هُما مُخلفات البلاستيك، وثاني أكسيد الكربون، إلى مواد مُفيدة، وغازات آمنة يُمكن استخدامها كمصدر للطاقة. وتضمنت هذه المُنجزات أيضاً، نظاماً جديداً، مُنخفض التكاليف، يعمل على التقاط الكربون من الهواء، أو من انبعاثات المصانع وغيرها، وتحويله إلى مادة "الميثانول Methanol"، أو مادة "كحول الخشب"، التي تُستخدم في تطبيقات الطاقة النظيفة. وبرزت بين المنجزات كذلك، تقنية تختص بمراقبة المحاصيل الزراعية، عبر ابتكار مستشعرات خاصة بالنباتات، ترصد مُعطيات معرفية عنها، حيث يُفيد ذلك في العمل على تحسينها نوعاً، وزيادة إنتاجها كماً.

ووردت، بين المُنجزات البحثية المرصودة، تقنية تختص بتفعيل الاستفادة من مُعالجة النفايات. وتضمنت، هذه التقنية، بناء أول محطة لحرق النفايات مع احتجاز الكربون وتخزينه، حيث تم ذلك في "النرويج Norway". وتتميــز هــذه الطريقــة المبتكــرة بإمكانيــة الوصــول إلــى درجــات حــرارة عاليــة مــن حــرق النفايــات، مـا يتيــح توليــد طاقــة أكبــر ممــا توفــره المحــطات التقليدية.

وبرزت، بين المُنجزات أيضاً، تقنية تعمل على التنبؤ بالطقس والأحداث النادرة، مُستخدمة الذكاء الاصطناعي في ذلك. ويُفيد هذا التنبؤ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي الأضرار التي قد يُسببها سوء الطقس. وبرزت كذلك تقنية أخرى تعمل في مجال إنتاج الأسمدة النيتروجينية الخالية من الانبعاثات الكربونية، بتكلفة مُنخفضة نسبياً، حيث يُسهم ذلك في تحقيق الأمن الغذائي. ووردت، إضافة إلى ما سبق، تقنية تُركز على الإنتاج الزراعي العضوي والمُتجدد، حيث يُسهم هذا الإنتاج في المُحافظة على التربة، وتحقيق الأمن الغذائي، والاستدامة البيئية.

وكان هُناك، بين الإنجازات المطروحة، طريقة مُبتكرة ومُستدامة واقتصادية لمعالجة المياه عالية الملوحة، والعمل على تحليتها. ويرتبط موضوع هذه التقنية بما قامت به "شركة هايرك Hyrec" السعودية التي ذكرناها فيما سبق. وبالطبع تُمثل تقنيات تحلية المياه أهمية كبيرة للسعودية، وللدول التي تمتلك مساحات صحراوية واسعة، حيث يُساعد نجاح هذه التقنيات على تحويل هذه المساحات إلى أرض زراعية معطاءة.

وهكذا نجد أن للبحث العلمي العالمي في مجال تقنيات البيئة واستدامتها، اهتمامات بجوانب مُتعددة. وتشمل هذه الجوانب، تحلية المياه المالحة، وتفعيل الاستفادة من الطاقة المُستدامة، والحرص على نظافة البيئة، والاهتمام بالإنتاج الزراعي وسلامة التربة، والتنبؤ بالطقس والأحداث النادرة. والأمل أن يكون للسعودية في هذا المجال، الذي وضعته بين أولوياتها البحثية، إسهامات عالمية رائدة في المستقبل القريب بمشيئة الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي