تقنيات جديدة في خدمة صحة الإنسان
برز مجال التقنيات الخاصة "بصحة الإنسان" كواحد من 4 مجالات تقنية رئيسة حظيت بالأولوية الوطنية للسعودية في قطاع البحث والتطوير والابتكار. ولعل هُناك عاملان رئيسان أسهما في هذا البروز. يرتبط العامل الأول بما شهدته وتشهده السعودية من تطور مُطرد في الرعاية الصحية، والتقنيات المُستخدمة في تنفيذها بكفاءة، وما تتطلع إليه من طموح مُتجدد نحو الأفضل، وذلك انطلاقاً من حقيقة أن الإنسان السليم المعافى، هو المُحرك الرئيس للعمل والإنجاز، وتفعيل التنمية وتعزيز استدامتها، فضلاً عن كونه أيضاً هدف التنمية والحياة الأفضل.
أما العامل الآخر لبروز مجال هذه التقنيات، فهو ما يحدث في العالم من اهتمام بحثي واسع النطاق في موضوعات هذا المجال المُختلفة، خاصة مع تزايد الوعي الصحي، وارتفاع الطلب على الرعاية الصحية، وما تحتاجه من تقنيات. وفي هذا الإطار، قام المرصد الوطني للبحث والتطوير والابتكار عام 2023، بالتعاون مع خبراء مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بدراسة استشرافية، تتمتع بنظرة عالمية شاملة، تمكن عبرها من اختيار 8 مُنجزات بحثية مُهمة في مجال تقنيات صحة الإنسان.
تم اختيار المُنجزات البحثية الثمانية على أسس منهجية شملت: أهمية التقنية المطروحة، ودرجة تأثيرها، ومدى الحاجة إليها، ومستوى جاهزيتها، وجاذبيتها في السوق، وفوائدها التجارية. وطرحت الدراسة أيضاً إنجازاً سعودياً مُتميزاً في مجال التقنيات الصحية. وقد جاء هذا الإنجاز من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وتضمن تقديم طريقة بسيطة، ومُنخفضة التكاليف لتشخيص مرض السرطان، ما يُعزز فرص اكتشافه، والعمل على علاجه في وقت مُبكر.
وسنستعرض، في التالي، المُنجزات التقنية الثمانية المُختارة؛ والغاية من ذلك هي إتاحة المعلومات بشأنها للجميع، إضافة إلى تحفيز المُتخصصين على مزيد من الإنجاز والتطوير. اختصت إحدى أبرز الإنجازات المُختارة، بعلاج مرض السكري، واسع الانتشار، وذلك عن طريق تطوير بنكرياس صناعي، يقوم بتأمين مستوى متوازن من السكر في الدم، ويتفوق في ذلك على الوسائط المتوفرة حالياً في علاج هذا المرض.
اهتمت تقنية أخرى، من المنجزات الثمانية، بمسألة تطوير الأدوية، واستعانت في ذلك بوسائط الذكاء الاصطناعي. فالذكاء الاصطناعي قادر على التعلم واستيعاب المعلومات بكميات هائلة ضمن زمن محدود للغاية، وهو قادر على مُعالجة المعلومات المُتاحة وتنظيمها وتصنيفها، واستخراج معطيات مُختلفة منها، لكن حكمة الاختيار النهائي، واتخاذ القرار تبقى لذكاء الإنسان. أي أن هذه التقنية تعمل على الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي كجهة استشارية للعقل البشري، تُعزز إمكاناته في الإبداع والابتكار، والعطاء العلمي والتقني.
جاءت تقنية علاج السرطان، التي شهدت إنجازاً سعودياً كما ذكرنا سابقاً، بين التقنيات المُختارة. وقد توصلت الأبحاث العالمية في هذا المجال إلى وضع أسلوب للتعامل مع انقسامات الخلية، يُساعد على تطوير مثبطات لهذا الانقسام، تُعزز أدوية علاج السرطان. ولعل المُلاحظ هُنا أن الإنجاز السعودي يتكامل مع هذا الإنجاز، حيث يكشف المرض، ليحيله إلى العلاج المُتقدم الجديد.
احتلت تقنية الصحة النفسية، في الدراسة المذكورة، مكاناً خاصاً بين التقنيات الثمانية. وتضمنت هذه التقنية وسائط ذكية يرتديها المرضى لمراقبتهم، والكشف عن حالتهم المرضية، من أجل تحديد العلاج المُناسب. كما برزت، في إطار تقنيات الصحة الرقمية، تقنية تستخدم الواقع المُعزز AR في تقديم خدمات صحية مُختلفة، بتكاليف أقل. ومن أمثلة ذلك التدريب، والتشخيص، وتقديم المُساعدة في العمليات الجراحية، وغير ذلك.
وبرزت -إضافة إلى ما سبق- تقنية تهتم بمُكافحة الشيخوخة، من خلال اكتشافها "لبروتين خلوي" يستعيد فاعلية التمثيل الغذائي في الخلايا المُسنة، ويعمل على تحسين وظائف هذه الخلايا، والحد من ظهور أعراض التقدم في السن. كما برزت أيضاً، في إطار الهندسة الحيوية، تقنية تسعى إلى تمكين الخلايا الجذعية من مُحاكاة عمل القلب، حيث يُمكّنها ذلك من الاستجابة لمشكلات القلب، بما في ذلك تصحيح حالات التشوه الخلقي.
ونذكر أخيراً، وليس آخراً، التقنية المُتمثلة في رقاقة إلكترونية تستهدف الـتواصل مع الدماغ البشري، ومساعدته على أداء وظائفه. ويُمكّن ذلك الطرفين البشري والاصطناعي من أداء نشاطات مُشتركة بينهما تُفيد مجالات عدة، تشمل الرعاية الصحية، والنشاطات الخدمية، وغيرها.
ولعلنا في الختام نشير إلى أمرين مُهمين. الأمر الأول هو أن ما سبق من مُنجزات تقنية هي مُخرجات للبحث العلمي، قد لا تكون مُتاحة بعد للاستخدام الآمن على نطاق واسع. أما الأمر الآخر، فهو أن البحث العلمي في المُستقبل ربما يُعزز هذه التقنيات، بل ويتجاوزها أيضاً، والأمل أن يكون للسعودية دور مهم في هذا المجال.