هل فات أوان فرض قيود عمرية على مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي؟
مقال عن خطط أستراليا لحظر وسائل التواصل على من هم دون سن 16 عاماً، ويشكك في فعالية الخطة بسبب المراهقين على التحايل
القلق زاد في 2021 عندما كشفت موظفة في "ميتا" عن أدلة بعلم الشركة بأضرار منتجاتها على الصحة العقلية للفتيات
رئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز تعهد بتشريعات تحظر المنصات الاجتماعية هذا العام، والاختلاف في سبل التنفيذ
التحقق من العمر عبر الإنترنت يثير قلقاً بشأن الخصوصية، بدءاً من كيفية تخزين المعلومات التعريفية وتقييد التصفح
تعتزم الحكومة الأسترالية فرض حظر على استخدام الأطفال دون سن 16 عاماً لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنفق ملايين الدولارات لدراسة كيفية تطبيق هذا الأمر. ومع ذلك، أعتقد أن الأمر لن يستغرق وقتاً طويلاً حتى يجد المراهقون المولعون بمنصات مثل "إنستجرام" و"تيك توك" و"يوتيوب"طرقاً للتحايل على الحظر والعودة لاستخدامها مجدداً.
هذا الاقتراح، الذي لا يزال يفتقر إلى التفاصيل الدقيقة، يأتي في وقت يواجه فيه صُناع السياسة وأولياء الأمور حول العالم تحديات متزايدة في التعامل مع الآثار السلبية لهذه المنصات على الأجيال الصاعدة. فقد بدأت هذه المناقشات منذ أعوام، وبلغت ذروتها في عام 2021 بعد أن كشفت الموظفة السابقة في "فيسبوك" الآن "ميتا بلاتفورمز" فرانسيس هاوجن عن وثائق تُظهر علم الشركة بالأضرار التي تلحقها منتجاتها بالصحة العقلية للفتيات. ومع ذلك، ورغم مرور أعوام، لا يزال المشرعون الأمريكيون عاجزين عن وضع تشريعات فيدرالية تحاسب شركات التكنولوجيا الكبرى بشأن الأضرار التي تلحقها بالمستخدمين الصغار.
أستراليا تبادر بتقديم لوائح تنظيمية
في هذا السياق، اتخذت أستراليا زمام المبادرة. فقد تعهد رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، بتقديم تشريعات جديدة هذا العام تهدف إلى وضع حدود عمرية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن الحكومة تدرس وضع حد عمري بين 14 و16 عاماً. وفي مقطع فيديو نُشر على منصة "إكس" وموجه للآباء، قال ألبانيز إنه يرغب في "إبعاد الأطفال عن أجهزتهم وإعادتهم إلى ملاعب كرة القدم". وأظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الأستراليين يؤيدون هذا الحظر، وهو ما يدعمه الساسة على نطاق واسع.
ومع ذلك، اعترف ألبانيز بأن الحكومة لا تزال في مرحلة استكشاف سبل تنفيذ هذا الحظر فعلياً. لم تحدد الحكومة بعد المنصات التي سيشملها الحظر (هل سيُسمح للأطفال باستخدام "واتساب" للتواصل مع والديهم؟ أو متابعة دروس الجبر التي تقدمها أكاديمية خان عبر "يوتيوب"؟). كما لم تقدم الحكومة تفاصيل بشأن آلية التنفيذ (هل سيتم استخدام هويات رقمية مشابهة لأساليب المراقبة في رواية جورج أورويل "1984"؟ أم سيتم فرض عقوبات على الأطفال لاستخدامهم "تيك توك"؟). وفي ظل غياب تفاصيل دقيقة بشأن السياسات، يبدو هذا الاقتراح وكأنه محاولة لجذب انتباه الناخبين من الآباء القلقين، خاصة مع اقتراب الانتخابات، دون أن يتضمن حلولاً ملموسة لحماية الأطفال.
كبح هيمنة عمالقة التكنولوجيا
تقود أستراليا، التي تبعد آلاف الأميال عن وادي السيليكون، جهوداً كبيرة للحد من هيمنة عمالقة التكنولوجيا. وقد واجهت الحكومة الأسترالية انتقادات من إيلون ماسك بعد أن اقترحت مشروع قانون منفصل يهدف إلى مكافحة المعلومات المضللة، حيث وصف ماسك الحكومة الأسبوع الماضي بأنها "فاشية". (وكانت الحكومة قد رفعت دعوى قضائية ضد شركة "إكس"، المعروفة سابقاً باسم "تويتر"، بسبب نشر مقطع فيديو عنيف لهجوم إرهابي، لكنها خسرت القضية في المحكمة).
كذلك، خاضت أستراليا معركة طويلة أخرى لإجبار عمالقة التكنولوجيا على دفع رسوم مقابل المحتوى الإخباري. وفي وقت تواجه فيه حكومات أخرى تحديات مماثلة في مواجهة هذه الشركات، تعتبر جهود أستراليا متعددة الأبعاد نموذجاً يستحق الإشادة.
تأثيرات الحظر المحتملة في المراهقين
مع ذلك، أوضحت الأبحاث أن فرض قيود عمرية على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليست بالضرورة الطريقة الأكثر فعالية لحماية المراهقين من الأضرار المحتملة. فقد أظهر الشباب، حتى أولئك الذين تقل أعمارهم عن 13 عاماً والذين يُحظر عليهم فعلياً استخدام معظم المنصات، براعة كبيرة في تجاوز هذه القيود. وقد أكدت الجمعية الأمريكية لعلم النفس (The American Psychological Association) أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بحد ذاته ليس مفيداً أو ضاراً بالضرورة للمراهقين، لكن القيود الصارمة تتجاهل الفروق الفردية في مستوى نضجهم. بعبارة أخرى، وصول المراهق إلى سن 16 عاماً لا يعني بالضرورة أنه أصبح أكثر كفاءة في التعامل مع العالم الرقمي من آخر ناضج عمره 14 عاماً.
كما أن فرض عملية التحقق من العمر على نطاق واسع عبر الإنترنت تثير قلقاً بشأن الخصوصية، بدءاً من كيفية تخزين المعلومات التعريفية حول المستخدمين الشباب إلى الحد من قدرتهم على تصفح الإنترنت بشكل آمن مع الحفاظ على إخفاء هويتهم الرقمية.
إضافة إلى ذلك، قد يتسبب تقييد الوصول إلى المجتمعات الرقمية في حرمان بعض الشباب من مصادر دعم حيوية، خاصة أولئك المنتمين إلى الفئات المهمشة. فقد برز تطبيق "تيك توك"، على وجه الخصوص، كمنصة مهمة للسكان الأصليين في أستراليا، حيث يوفر لهم مساحة يشاركون فيها كل شيء بدءاً من وصفات اقتصادية وردود فعل على التمييز العنصري. كما أن الشباب الذين يعيشون في المناطق النائية، والذين قد لا يجدون قصصهم ممثلة في وسائل الإعلام التقليدية، قد يشعرون بقدر أقل من العزلة بفضل هذه المنصات. من جهة أخرى، أبدى دعاة مجتمع (+LGBTQ) في أستراليا مخاوف مماثلة بشأن الحظر المحتمل الذي قد يؤدي إلى قطع الاتصالات عن المراهقين من هذه الفئة المجتمعية المعرضين للخطر. وعلى نطاق واسع، حذر الباحثون في قطاع التكنولوجيا من أن إبعاد الشباب عن المنصات الاجتماعية لن يحل المشكلة، بل سيدفعهم نحو زوايا أكثر خطورة وأقل تنظيماً على الإنترنت.
في المقابل، تتزايد الأدلة على الأضرار التي قد يواجهها الشباب أثناء تفاعلهم مع هذه المنصات، رغم محاولات المسؤولين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا نفي ذلك. لذلك، يجب أن يتخذ المشرعون خطوات جدية لحماية الأطفال من هذه المخاطر، لكن تقديم حلول سريعة لمشكلات عالمية معقدة غالباً ما يصرف الانتباه عن العمل السياسي الأكثر صعوبة المطلوب لإيجاد حلول واقعية فعالة.
من يتحمل مسؤولية الضرر؟
يأتي منع الشباب من المشاركة في الحياة الرقمية متأخراً جيلاً كاملاً، إذ ينشأ المراهقون اليوم في بيئة رقمية بشكل متزايد، وهو اتجاه متسارع مع تفشي جائحة كورونا. لدرجة أن الأمم المتحدة أكدت على حق الأطفال في الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت، مع تحمل البالغين مسؤولية ضمان أن يكون هذا المحتوى غير ضار.
يتعين على صناع السياسات التركيز على محاسبة شركات وسائل التواصل الاجتماعي عن الأضرار التي قد تتسبب فيها خدماتهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمستخدمين الشباب. ويمكن أن تكون الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي مطالبة هذه المنصات بمزيد من الشفافية بشأن كيفية عمل خوارزمياتها، إضافة إلى السماح للباحثين الخارجيين بفحص تلك الخوارزميات لتحديد المخاطر. فمن دون الحصول على البيانات المتعلقة بكيفية تصميم هذه الخدمات، سيصعب على خبراء الصحة العقلية والمسؤولين تطوير حلول فعالة للتعامل مع هذه المخاطر.
يتعين أيضاً على المشرعين التركيز على إلزام شركات التواصل الاجتماعي، التي تبذل قصارى جهدها لفهم سلوك مستخدميها، بتحديد وتنفيذ إجراءات وقائية أفضل لحماية الشباب.
لا يمكن ضمان سلامة الجيل القادم بمجرد رفع الحد العمري ببضعة أعوام، ما لم نُحمّل شركات التكنولوجيا مسؤولية الحد من المخاطر على منصاتها. وبدلاً من محاولة معالجة الضرر بعد حدوثه، يجب على صُناع السياسات في أستراليا وخارجها معالجة المشكلة من جذورها.
باختصار
المقال يناقش مقترح الحكومة الأسترالية بفرض حظر على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن 16 عاماً. بينما تدرس الحكومة كيفية تطبيق هذه القيود، تشكك الكاتبة في فعالية هذا الحظر نظراً لقدرة المراهقين على التحايل عليه. المقال يعرض مخاوف من أن هذه الخطوة قد تكون متأخرة وغير كافية لمعالجة المشكلات الأساسية التي تواجه الأجيال الصاعدة بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.
كما تشير إلى تحديات أخرى مثل قضايا الخصوصية، وحرمان الشباب من مجتمعات الدعم، إضافة إلى ضرورة محاسبة شركات التكنولوجيا وتحقيق الشفافية في عمل خوارزمياتها لضمان حماية أفضل للشباب.
خاص بـ "بلومبرغ"