كيف تستغل دور النشر الأكاديمية الأساتذة في الجامعات؟
أماطت دعوى قضائية أقامتها أستاذة جامعية أمريكية على دور النشر الأكاديمي الرئيسة، عن كثير من الشجون وما يقع في أروقة الجامعات في العالم، وكيف يتعرض الأساتذة الجامعيون إلى استغلال يحرمهم من جني أي فوائد مادية تذكر عن عصارة أبحاثهم ودراساتهم.
وتعد سابقة أن تستلم المحاكم الأمريكية شكوى فيها اتهامات لدور النشر الأكاديمية الكبرى في العالم، على أنها تحتكر النشر العملي وتجني أرباحا طائلة على حساب العمل المضني، الذي يقوم به الأساتذة الجامعيون دون أن تمنحهم ولو فلسا واحدا عن الجهد الشاق، الذي يبذلونه في كتابة أبحاثهم، التي لولاها لما شهدنا كل هذا التطور العلمي والرقي الحضاري الذي نحن فيه.
هناك 6 دور نشر أكاديمية كبرى في العالم تهيمن على صناعة صارت تدر ذهبا. في العام الماضي وصلت إيرادتها إلى ما يقرب من 20 بليون دولار. دار نشر أكاديمية واحدة، وهي Elsevier الهولندية وصلت إيراداتها إلى نحو 4 بلايين دولار.
بيد أن تحقيق هذه المبالغ الطائلة والأرباح التي تسيل اللعاب لما كان ممكنا لولا الأبحاث التي يكتبها الأساتذة الجامعيون. دور النشر هذه تسيطر تقريبا على حقوق النشر للدوريات العلمية.
واحدة من المهام الرئيسة للأستاذ الجامعي، هو نشر أبحاث في دوريات علمية محكمة. دون نشر علمي في دوريات مثل هذه ليس بمقدور الأستاذ الجامعي الحفاظ على وظيفته. أغلب الجامعات في العالم تجعل النشر العلمي شرطا أساسيا في التوظيف واستمراره.
ومن ثم، فإن مكانة أي جامعة في العالم تستند إلى موقعها في سلم التصنيفات العالمية وتتبارى الجامعات في شتى أرجاء المعمورة في هذا المضمار وتتباهى إن تبوأت أماكن رفيعة.
ويمنح سلم التصنيفات امتيازات كبرى للجامعات، التي مثلا تقع في خانة أفضل 100 أو 250 أو 500 جامعة في العالم، في مقدمتها السمعة الحسنة. احتلال المواقع الأولى في سلم التصنيفات يجذب أفضل النخب من العلماء والطلبة إلى الجامعة من كل أرجاء العالم، ما يسمح للجامعة بانتقاء الأرفع شأنا وتقاضي أجور دراسية مرتفعة.
والسمعة الحسنة يستقيها الأساتذة الجامعيون في الأغلب من رصانة النشر العلمي الذي لديهم. كلما زاد عدد الأبحاث الرصينة في الدوريات العلمية الرصينة، زادت سمعة ومكانة ودرجة أصحابها، وهذا معيار صار المحك في التقييمات الأكاديمية في أوجهها المختلفة.
ومن العسر في مكان لأي جامعة في العالم، أو أستاذ جامعي الحصول على الوجاهة والسمعة الحسنة في غياب النشر في مجلات ودوريات علمية رصينة ذات معامل تأثير رفيع المستوى. والدوريات العملية لها سلمها الخاص أيضا، وقد نعرج عليه في القادم من الأيام، بيد أن أرفعها شأنا، تملكها وتديرها وتحتكرها دور نشر أكاديمية عالمية قد لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
اللهث وراء الجاه والسمعة الحسنة والمكانة الرفيعة، التي من العسر الحصول عليها في غياب النشر العلمي منح الناشرون الأكاديميون وشركاتهم امتيازا يسيل لعاب أي شركة في العالم، اليوم هناك أفواج من العلماء والأكاديميين ربما مرادهم المهني الأوحد هو نشر أبحاثهم في أحد المجلات أو الدوريات العلمية التي تحتكر نشرها وتوزيعها الشركات هذه.
وأنتج السياق هذا نموذج عمل يرقى في كثير من تفاصيله إلى السخرية، وهو نوع من التشغيل دون آجر، مع فرق واحد وهو أن الأجير في هذه الحالة متطوع للعمل لتسخير جهده لصاحب العمل وبمحض إرادته. والأنكى، أن الأجير قد يحدث ويدفع مبالغ كبيرة لصاحب العمل لقاء تسخيره للعمل لديه.
هذا واقع مرير تعيشه الجامعات في العالم، ولكن لأول مرة يحدث أن يجمع أكاديمي شجاعته ويرفع دعوى مكافحة الاحتكار لمحكمة فيدرالية في أمريكا ضد أكبر 6 مطابع عالمية تعنى بالنشر الأكاديمي.
الأمر يحتاج إلى سلسلة من المقالات لتسليط الضوء عليه، ولكن ما ورد في الشكوى وعلى صفحات المواقع الإعلامية الأمريكية مفاده، أن الأستاذ الجماعي يمضي عصارة عمره في البحث وتقييم الأبحاث لنشرها في المطابع الأكاديمية، ولكن لا يتقاضى فلسا واحدا عن جهده، بينما المطابع تكدس الأرباح.
ليس هذا فقط، بل أن المطابع قد تطلب من الأستاذ الجامعي – وهذا أمر شائع هذه الأيام – مبالغ كبرى قد تصل بالنسبة للدوريات الشهيرة إلى نحو 10 آلاف دولار لقاء نشر بحث واحد وحسب.
وليس هذا فقط، تتقاضى هذه الشركات مبالغ طائلة لقاء اشتراك الجامعات في الدوريات العملية التي تصدرها، بمعنى آخر: إن المطابع تحصل على المحتوى مجانا، أو قد يدفع الأستاذ الجامعي مبلغا كبيرا لقاء قبول هذه المطابع نشر المحتوى، ومن ثم تعيد بيع المحتوى المجاني الذي حصلت عليه للمكتبات الجامعية بأثمان مرتفعة.
وللعلم فإن أغلب المبالغ المخصصة للمكتبات الجامعية، وهي ليست قليلة، تذهب لتغطية الاشتراكات في الدوريات العلمية التي تصدرها هذه المطابع.