النزاعات وحركة الأسواق المالية

تتسم الأسواق المالية في العالم بأنها شديدة الحساسية تجاه أي متغير أو طارئ ليس لكونها عقلانية ومتأثرة بالحدث بشكل مباشر، بل لأن للعواطف أثرها في توجه المستثمرين وتحفيز قراراتهم الاستثمارية نحو الاتجاه الذي يدعمه الحدث إن كان تفاؤلا أو تشاؤما، وفي كلتا الحالتين يكون انعكاسهما عاليا على حركة الأسواق نفسها، ينطبق هذا على كافة الأحداث ومنها السياسية والاقتصادية، ومع كل حدث تتصرف الأسواق بشكل مرتفع الحدية.
إن الأسواق بطبيعتها تسعر المستقبل وما ينعكس من أثر اليوم على الغد وتقيم المخاطر وانعكاسها على أصل معين، سوق، قطاع، وفي كل الحالات تتسم حركة الأسواق بالاستباقية والمبالغة.
تنقسم المؤثرات في الأسواق إلى مؤثرات محسوبة وغير محسوبة، حيث يستطيع المتاجرون والمستثمرون قياس الأثر لمتغير معين كالتغير في أسعار الفائدة، اعتماد خطة توسعية، تغير في المناخ، وغيرها من المتغيرات التي يمكن التنبؤ بمتغيراتها، فيحتسبها المتعاملون ضمن إطار قراراتهم الاستثمارية، ومنها يبدأ تفعيل بناء محافظ الاستثمار، توزيع الأصول، اختيار المراكز الاستثمارية، إلى آخره من عملية بناء خطة الاستثمار بعد أن أخذت العوامل المحسوبة ضمن خطة الاستثمار نفسها. خلال بناء ومتابعة خطة استثمار معينة تتأثر الأسواق بمعطيات غير محسوبة ولا يمكن توقعها بها خصوصا تلك المرتبطة بالمشرعين، فعلى سبيل المثال فرض رسوم على الواردات الصينية إلى أمريكا أو التغير في معدل الدعم لأي منتج، كلاهما مثال لأحداث لا يمكن توقيتها، إنما تفعل ضمن خطة الاستثمار متى ما طرأت أو ظهرت ومنها يبدأ تفعيل أثرها في شكل وترتيب المحفظة إن كان السيولة، الأصول، الأوزان وغيرها من العوامل المؤثرة.
كل هذه تعد عوامل مؤثرة في سياسية الاستثمار للمستثمرين الذين يتبعون سياسية الاستثمار النشط. في الطرف الآخر فإن المستثمرين الخاملين لا يتتبعون أيا من المتغيرات أو الاحداث، إنما يظلون في متابعة دائمة لتغير أوزان مكونها مؤشراتهم الاسترشادية وكل ما يفعلونه هو إعادة التوزان لمكونات أوعيتهم الاستثمارية بما يتناسب مع الأوزان الحالية للأصول والأسواق.
فهذه الشريحة من المستثمرين لا يتتبعون أي متغير أو حدث. مع تطور علم الخوارزميات والذكاء الاطصناعي أضيفت إلى الأسواق آليات تعامل مؤتمتة لا تتسم بأي شكل من أشكال العاطفة إنما تبني قراراتها على نتائج لخوارزميات معينة تتبعها ضمن برمجياتها، وكلما كانت تتعامل مع أسواق أكثر نشاطا كانت النتائج المحققة أعلى. تطورت السوق السعودية حتى شملت في شريحة مستثمريها كافة الفئات النشطة، والخاملة.
تداول الخوارزميات هو ما سيجعل قياس أثر حدث معين مفاجئ وغير متوقع في أداء السوق صعبا، وأثر تداولات الخوارزميات عميقا، أخذا في الحسبان متوسط أحجام التداول في الأسواق المحلية.
أثرت الهجمات العسكرية والنزاعات السياسية خلال الأسابيع الماضية في حركة الأسواق المالية في المنطقة وكذلك أسعار السلع في العالم خوفا من أي أثر فيها سواء بالإمداد أو بالتسعير نظرا لأهمية منطقتنا إلى العالم.
ووفقا لكل الشرائح والمتغيرات المتعامل معها فإن هذه الأحداث أحداث لا يمكن قياسها والتنبؤ بوقوعها، وهذا ما يجعل الأسواق في البداية تتحرك بشكل عاطفي بحت حتى تستعيد توازنها، ووسط كل الفئات والإستراتيجيات لن تتغلب أي إستراتيجية في سرعتها على حركة الأسواق نفسها. لذلك يجب ألا تؤثر الأحداث الجانبية في الخطة الاستثمارية ذاتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي