لاري إليسون .. ملياردير اعتاد على توجيه اللكمات والصفقات

لاري إليسون .. ملياردير اعتاد على توجيه اللكمات والصفقات

في أحد أزقة شيكاغو الضيقة، وخلف البيوت، يتجمع الأطفال في الخامسة مساءً، لا من أجل لعب كرة القدم أو السباق ركضا، بل ليتشاجروا شِجارا عنيفا يُسفر غالبًا عن إصابات خطيرة، وكان على الطفل الصغير أن يختار بين طريقين، إما الفوز أو الخسارة، فالهروب من المعارك يعني أنه جبان وسيضربه الجميع.

هكذا وجد لاري نفسه مجبرا على أن تكون لكماته أقوى وضرباته حاسمة غير عابيء بتمزيق ملابسه أو توبيخ والديه يوميًا، المهم أن لا يُهزم، تلك القناعة شكّلت شخصيته بعد أن دخل عالم الأعمال، فسدد لكمات من نوع آخر للمنافسين ورفض الهزيمة حتى أصبح ضمن أثرياء العالم بثروة تخطت 174 مليار دولار.

وُلد لورنس جوزيف إليسون في 17 أغسطس 1944 بحي برونكس بنيويورك، وكان والده يعمل ضابط طيار في القوات الجوية الأميركية بينما والدته فلورنس سبيلمان مراهقة في المدرسة الثانوية، ورغم أن حياة كتلك جديرة بأن توفّر له طفولة هادئة، لكن بعد تسعة أشهر وأثناء إصابة لاري بالتهاب في الرئة، قررت والدته أنها لا تستطيع الاعتناء بهِ، فأرسلته إلى شقيقتها ليليان وزوجها إليسون ليعيش معهما في شيكاغو، وتبنّاه الأخير فحمل اسمه رسميًا، ولم يرى لارى أمه إلا حين أتم 48 عامًا، أما أباه فلم يعثر له على أثر.

عاش لاري طفولة صعبة، إذ أن شيكاغو كانت موطن الجريمة والعنف آنذاك، لكن خالته وزوجها، سُرعان ما أحاطا الفتى بعناية فائقة فأدخلوه المدارس، وجلبوا له معلمين بالمنزل فتحسّن مستواه الدراسي لدرجة دفعت الأسرة إلى تهيئته ليصبح طبيب، و في سن الثانية عشر أصبح لاري مُغرمًا بالقراءة، وكان يقضي وقت كبير في مكتبة المدرسة يطالع الكتب، فقرأ عن التقنيات وآخر تحديثات التكنولوجيا، وبمجرد انتهاء المدرسة الثانوية التحق بجامعة إلينوي لدراسة الفيزياء، مُسببًا خيبة أمل كبيرة لأسرته، وفي السنة الثانية من دراسته الجامعية توفيت خالته ليقرر إليسون ترك الدراسة بعد أن دخل في نوبة اكتئاب حادة بسبب الحزن.

رغم محاولته العودة إلى الدراسة والاتحاق بجامعة شيكاغو، لكنه سُرعان ما تركها وسافر في رحلة بحث فيها عن ذاته، وبين جبال سييرا المرتفعة في وادي يوسمايت، أعاد لاري إليسون تقييم حياته ووصل لقناعة أنه لم يخذل خالته أو أبيه بالتبني، فحُلم الطبيب كان حلمهما وليس حلمه، وهكذا بدأ التخلص من عُقدة الذنب، بل وعمل كمرشد نهري ومدرب تسلق الصخور، وبسبب الرواتب القليلة لتلك المهن عاد إلى البرمجة التي قرر أن تكون وظيفته الدائمة، بينما في 1973 انتقل إلى وادي السيلكون بكاليفورنيا والتحق بشركة إمبكس للبرمجة، وبعد ثلاث سنوات فقط أصبح نائب الرئيس للبحث والتطوير.

في نفس الشركة، تعرّف لاري على زميليه بوب مينور وإيد أويل، وجمع الثلاثة شغف مشترك بالورقة البحثية التي كتبها عالم الفيزياء إدغار كود عام 1970، والتي تدور حول إنشاء قاعد بيانات مترابطة، يمكن من خلالها البحث بطريقة سهلة لإظهار المعلومات المطلوبة في وقت قليل، وبدأ الثلاثة يخططون لإنشاء شركتهم التي أسسوها في 1977 وحملت اسم "إس دي إل".

وفي مقر الشركة بسانتا كلارا قضوا ساعات طويلة لتطوير قاعدة بيانات ضخمة، وبعد عام واحد تمكّنوا من عقد أولى صفقاتهم مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية بقيمة مليون دولار، ما أعطاهم دفعة كبيرة وفرت لهم الموارد المالية المطلوبة، وكان المشروع الذي يعملون عليه اسمه "أوراكل" ومن هنا استبشر لاري بالاسم فأطلقه على شركته التي احتكرت هذا المجال حتى الآن.

النجاح في البداية لم يكن صدفة، فقاعدة لاري الأولى حين أسس شركته هي أنك لن تحتاج سوى موهوبين وفكرة مجنونة وبعدها يُمكنك إنتاج شيء يغيّر العالم، ولذلك جمع في أوراكل أبرز العقول الذكية، ومع فكرة قاعدة البيانات المترابطة جاءت النتيجة عقود مع عمالقة التكنولوجيا، ففي 1981 عقد صفقة مع آي بي إم، وفي 1986 طرح شركته في البورصة فجمع 23 مليون دولار، استغلها كلها في تطوير الأبحاث والانتشار، ما عزز موقعها لدرجة توظيف 150 ألف موظف، بينما لم يحلم لاري بأكثر من خمسين عامل في شركته.

في 1990 واجه إليسون أولى التحديات حين تعرض للمحاكمة بسبب تضخيم أرباح شركته، وثبتت التهمة عليه ما جعلها تواجه شبح الإفلاس، لكنه تمكّن من هيكلتها الداخلية وإعادتها لمكانتها خلال عامين، ما أكد أنه رجل أعمال لا يقبل الهزيمة، بل في تلك الفترة صارت معظم البرامج التي تحتاجها الشركات الكبرى لا تستطيع العمل بدون أوراكل، ومع بداية الألفية الثانية صار شرسًا في التهام كل منافسيه فاشترى شركاتهم الواحد تلو الآخر، حتى وصل إلى ثاني أغنى رجل في العالم 2014، وهو نفس العام الذي ترك فيه منصب المدير التنفيذي لأوراكل مكتفيًا بمنصب رئيس مجلس الإدارة.

منحت الاستقالة وقت كافي لإليسون لكي يمارس هواياته التي يأتي في صدارتها الجلوس في قصره الفخم المبني على الطراز الياباني بالقرب من هاواي، ويبلغ قيمته نحو 70 مليون دولار، كما امتلك خامس أغنى رجل في العالم في 2015 جزيرة لاناي، بجانب أسطول من السيارات والطائرات واليخوت، وقد عُرف عنه حبه لكل الأشياء الفخمة، لكنه لم يتخلى عن دوره الاجتماعي فكان ضمن قائمة الأثرياء المتبرعين باستمرار لتحسين حياة الناس.

تزوج إليسون 4 مرات أولهم إدا كوين وآخرهم ميلاني كرافت،حيث تخلى عنهم جميعا بالطلاق، لذلك يقضي السنوات الماضية متنقلًا بين مؤتمرات التقنية ومتابعة أوراكل، وبين الحين والآخر يزور ستوديوهات هوليوود إذ يُعدّ ولديه ديفيد وميجان إليسون من أهم منتجين السينما الأميركية، وعلى نهج أبيهم يرفضان الهزيمة ويعملون بنصيحته :" إذ قال لك أحد أنك مجنون.. فقد تكون على وشك ابتكار الشيء الأكثر أهمية في حياتك".

الأكثر قراءة