ترمب والاقتصاد العالمي
مع تأكيد فوز المرشح الجمهوري في الانتخابات الأمريكية دونالد ترمب، بدأ تقاذف الأسلة حول الأثر الذي سيتركه في الاقتصاد العالمي، ولا سيما أن هناك تجربة سابقة دامت 4 سنوات مع ترمب، عندما كان رئيساً. والأسئلة الأكثر إلحاحاً هي تلك التي تنحصر في وضيعة العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والبلدان الأخرى، بما فيها المتحالفة منها مع الولايات المتحدة. التجربة الأولى له، لم تكن هادئة، بل شهدت معارك وحروبا تجارية، شملت بلدان حليفة، ناهيك عن تلك القابعة خارج نطاق التحالف، وعلى رأسها الصين. كانت سمتها الأساسية، فرض مزيد من الرسوم الجمركية على الواردات للولايات المتحدة، وضمان ما أمكن حماية المنتج الأمريكي، محلياً وخارجياً، بل تحرك بقوة، من أجل إعادة كل عمليات الإنتاج الأمريكية التي تتم خارج البلاد، إلى بلاده.
الأوقات تتغير، والتجارب تمنح مزيداً من مساحات التفكير، حتى عند أولئك المعروفين بمواقفهم وسياساتهم المتشددة. من هنا، يمكن النظر إلى المشهد العام على الشكل التالي. الأسواق المحلية والعالمية، ستشهد ارتفاعات لافتة، إلى جانب ازدهار سوق العملات المشفرة. فترمب في النهاية داعم تقليدي قوي للأسواق بكل أشكالها. من الواضح، أن خطاب الرئيس المنتخب في الفترة الماضية، تضمن توجهات لم تكن موجودة في فترة رئاسته الأولى. فهو يتحدث عن التوازان، دون أن ينتقص بالطبع من أحقية المصلحة الأمريكية، كما أشار في أكثر من مناسبة، إلى يفضل التفاهمات القائمة على الوضوح والصراحة. وهذا الخطاب نشر الارتياح في الأوساط الاقتصادية العالمية على الأقل في الوقت الراهن.
لا شك أنه سيكون هناك واقعاً جديداً للاقتصاد العالمي، بعودة ترمب إلى البيت الأبيض، لكن لا بد من التأكيد على أن توجهاته تتسم بشيء من الدقة، وهذا ما يمنح الساحات مزيداً من الارتياح. تأثير أداء أكبر اقتصاد في العالم على حراك الاقتصاد الدولي، سيبقى قوياً جداً، والوضعية المحلية له، تترك آثارها المباشرة في الخارج. وكل ما يخيف الساحة العالمية، هي السياسات الأحادية. فلا خوف على متانة الاقتصاد الأمريكي، فالرئيس المنتخب سيتجه إلى خفض الضرائب، وإعادة العمل بخطته السابقة الهادفة إلى إدخال مزيد من الإصلاحات (بعضها جذري) على شركات بلاده. دون أن ننسى، أن هذا الأخير سيرث وضعية اقتصادية جيدة، في عدة قطاعات، بما في ذلك أسواق الأسهم.
الحراك المحلي الأمريكي الإيجابي، يبقى مهماً على الساحة العالمية، إلا أن الخوف الأول، يظل في نطاق مفهوم ترمب للعلاقات التجارية. فالعالم لا يزال يخشى حرباً تجارية، ستنال من الجميع، خصوصاً في مجال إيرادات الشركات، وتوسع الاستثمارات. ومن هنا، لا بد من أن تكون هناك تفاهمات سريعة منذ اليوم الأول لبدء فترة الرئيس السابق في الحكم. فانفراج الساحة التجارية، سيوفر أرضية مهمة لمزيد من التفاهمات، التي تقلل من القرارات العدائية. إنها مسألة حساسة جداً، خصوصاً أن تأتي بعد تجربة يمكن ببساطة وصفها بـ "السيئة". كل خطوة يقدم عليها ترمب لمصلحة الساحة المحلية، ستكون جيدة، إذا ما كانت ضمن نطاق التوازنات والعدالة لكل الأطراف.
صحيح أن هناك من ينظر إلى نهج الرئيس المنتخب غير التقليدي، كنقطة سلبية، إلا أن مثل هذا النهج يوفر مزيداً من الفرص عالمياً أيضاً، وهذا ما يمكن التركيز عليه في الفترة المقبلة، مع ملاحظة التغييرات المتوقعة عند إدارة ترمب الجديدة، التي يبدو أنها عازمة على التخلص من بعض المؤثرات السلبية السابقة في السنوات الأخيرة من العقد الماضي.