المجيء الثاني لدونالد ترمب

مهما كان الرأي الذي نحمله صوب الولايات المتحدة الأمريكية، فإن البلد هذا صار جزءا مهما وحيويا ومؤثرا من العالم الذي نقطنه.
والتأثير ليس بالضرورة سياسي المنحى أو عسكري، بل يشمل مجالات تؤثر ليس في مصير ومكانة الدول والأمم بل حتى الأفراد العاديين.
من حقنا أن نحب أو نكره، ومن حقنا أن نحمل مواقف سلبية أو إيجابية من السياسات التي يتبناها هذا البلد، إلا أن المواقف التي نتخذها حبا أو كرها يجب أن تكون واقعية وعقلانية.
إدراك كنه الواقع وإشغال العقل يمنحان الإنسان الوسائل للتحليل المنطقي وفسحة للتوصل إلى استنتاجات مبنية على أسس متينة.
ولأن أمريكا ليست دولة عادية بل كيانا، لا بل أخطبوطا اقتصاديا وماليا وعلميا وتكنولوجيا وعسكريا جبارا ومهولا على مستوى العالم، ينبغي إشغال العقل والمنطق لفهمها والتعامل معها.
وإن لم يكن كذلك، فلماذا أوقفت الانتخابات الأمريكية العالم تقريبا برمته على رجل ونصف لمعرفة نتائجها؟
وها هي الانتخابات قد انتهت، واستنادا إلى نتائجها فإن العالم تقريبا برمته يقوم بجرد حساباته من حيث الربح والخسارة وحتى المستقبل.
العواطف والمواقف المبنية على المشاعر الجياشة لن تغير في الواقع الذي نعيشه ولن تؤثر قيد أنملة في الآخرين.
قراءة متأنية للواقع منطلقها تفكيكه عقليا وعلميا حَرِيَّة أن تمنح الإنسان الأدوات المنطقية للتصرف.
من هنا تنبع خشية أن كثيرا من المواقف التي وردت في الصحافة والإعلام العربي وغيره حول الانتخابات الأمريكية ونتائجها شيد بنيانها على الذاتية وما تستجلبه من مواقف مسبقة.
كره أمريكا لن يفيد في شيء، وكذلك حبها غير العقلاني لن يفيد في شيء. ما يفيد اليوم هو معرفة المجتمع الأمريكي ومحاولة إماطة اللثام عن كيف ولماذا تتخذ الولايات المواقف هذه وليس تلك.
ليس من اليسر التأثير في السياسات الأمريكية إن كانت القيمة السوقية لشركة أمريكية واحدة وحسب، عمرها لا يتجاوز أربعة عقود، تفوق قيمة الناتج القومي الإجمالي لدول عظمى مثل روسيا وبريطانيا وفرنسا وحتى ألمانيا.
وليس من اليسر التأثير في السياسات الأمريكية إن كان العالم كله يبحث عن اقتناء عملتها، وإن كان العالم كله تقريبا يتخذها الوسيلة الوحيدة للتبادل التجاري.
في الإمكان تقديم قائمة طويلة عن حقائق مثل هذه، لكن ما يميز أمريكا وما يمنحها كل هذا السبق في أغلب مضامير الحياة الدنيا هو البحث العلمي الذي تنتجه جامعاتها ومراكز أبحاثها.
الصين اليوم تفوق أمريكا في عدد الأبحاث العلمية المنشورة في دوريات علمية محكمة، لكن البون بينهما شاسع وردمه من العسر في مكان عند تعلق الأمر بتحويل البحث العلمي النظري إلى بحث تطبيقي في الصناعة والزراعة والإنتاج وغيره.
موقف الرئيس المنتخب دونالد ترمب من الهجرة ووجود المهاجرين الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية في أمريكا واضح، وقد يكون على رأس جدول أعماله حال تسنمه منصبه في مستهل العام المقبل.
بيد أن ترمب أكد أنه سيصدر قرارا وبسرعة يمنح خريجي الجامعات الأمريكية من الأجانب وعلى الخصوص الموهوبون منهم الأوراق الثبوتية فور تخرجهم، كي ينضموا إلى الشركات الأمريكية وبأقصى سرعة.
قد ينسى كثيرون أن المجيء الثاني غير المتوقع لترمب هذه المرة كان على أكتاف الأمريكيين من المتزمتين بالتقليد والمتدينين الذين يقرأون النص كما هو– وهم أكبر شريحة مؤثرة في هذا البلد.
ولهذا لم يندهش المطلعون على واقع المجتمع الأمريكي من سطوة المد التقليدي على الساحة الانتخابية، والأنكى إجراء مقاربات بين المشاهد السابقة والمجيء الثاني لدونالد ترمب من خلال فوزه الساحق في الانتخابات الرئاسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي