اقتصاد ترمب المستحيل                

في ضوء ترشيحات دونالد ترمب لمناصب وزارية رئيسية حتى الآن، يبدو أن رئيس الولايات المتحدة المنتخب عازم على الأقل على محاولة الوفاء بعدد كبير من وعود حملته الانتخابية. إذا كان الأمر كذلك، فربما تحمل دورة الأخبار الحالية مفاجأة سارة لأولئك الذين سئموا من الزعماء المنتخبين الذين يبذلون وعودا لا يعتزمون الوفاء بها.

على سبيل المثال، قد يكون فرض قوانين الهجرة في أي بلد بقوة فكرة طيبة. لكن ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين الموجودين بالفعل في البلاد بقوة مسألة أخرى، وإذا جرى ذلك بطريقة تثبط عزيمة المهاجرين في عموم الأمر، فقد تخسر الولايات المتحدة واحدة من المزايا الرئيسية التي تتمتع بها على عديد من نظيراتها من الاقتصادات المتقدمة.

على الرغم من سهولة وجود خبراء اقتصاد يختلفون مع بعضهم بعضا في أي مسألة تقريبا تتعلق بالسياسة الاقتصادية، فالرسوم الجمركية ربما تكون الاستثناء الكبير الوحيد. إذ يعتقد قِلة من خبراء الاقتصاد أنها فكرة جيدة، ويرجع هذا في الأساس إلى انعدام وجود أي دليل يشير إلى أنها قد تساعد على خفض العجز التجاري لدى أي دولة.

في تعليق حديث، يستعرض مارتن وولف من صحيفة فاينانشال تايمز هذا الأمر بوضوح. وكما يشرح، فإن ميزان المدفوعات في أي بلد يشكل هوية محاسبية (معادلة لابد وأن تتوازن دائما). وبالتالي، فإن أي عجز في التجارة (والذي يهيمن عادة على ميزان الحساب الجاري) لابد وأن يقابله فائض من تدفقات رأس المال إلى الداخل. بهذه الطريقة يصبح التوازن الإجمالي منضبطا.

في حين قد تستخدم الولايات المتحدة الرسوم الجمركية لتقليص وارداتها من الدولة (أ)، فستضطر إلى زيادة الاستيراد من الدولتين (ب) و(ج) ما لم تعمل أيضا على خفض الاستهلاك، أو الاستثمار، أو الإنفاق الحكومي الذي يحرك الطلب على هذه الواردات في المقام الأول. الواقع أن هذا هو بالضبط ما حدث بعد أن فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية على الواردات من الصين خلال فترة ولاية ترمب السابقة. فقد استمرت الولايات المتحدة في استيراد ذات السلع، ولكن من دول أخرى، وكثير منها زادت وارداتها من الصين.

ولكن ماذا قد يتعلم قادة دول أخرى من تجربة أمريكا الغريبة؟ مع رواج نهج ترمب غير التقليدي في السياسة الآن، يمكننا أن نتوقع رؤية مزيد من مبادرات ترمب المصغرة تظهر فجأة في مختلف أنحاء العالم. ولكنها بقدر ما تحاكي طريقة ترمب، فستفشل هي أيضا في تحقيق الأغراض المقصودة منها. ولأن كل البلدان الأخرى لديها ذات هوية ميزان المدفوعات مثل الولايات المتحدة، فإن تلك التي لديها فوائض تجارية كبيرة تصدر بالضرورة قدرا أكبر من رأس المال نسبة إلى احتياجاتها الاستثمارية المحلية الحالية.

في مواجهة عودة ترمب، سيبدأ الزعماء الأجانب الحكماء في التفكير في كيفية التصدي للتحديات الاقتصادية المحلية التي تواجهها بلدانهم منذ فترة طويلة. على سبيل المثال، يتعين على البلدان التي لديها مدخرات زائدة أن تفكر في كيفية تعزيز الاستثمار في الداخل أو خفض معدل الادخار المحلي. ونظرا لمشاكلهما الحالية، فإن ألمانيا والصين ستستفيدان كثيرا من مثل هذه الإستراتيجية. فهي لن تعزز اقتصاديهما وتزيد من جاذبية قادتهما فحسب؛ بل إنها ستقلل أيضا من صادراتهما من رأس المال إلى بقية العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة.

بعد ذلك، قد تأتي تغييرات سياسية بنّـاءة أخرى كثيرة. على سبيل المثال، تستطيع الصين إصلاح قطاعها المالي والسماح لعملتها باكتساب مزيد من السمات التي كانت محورية لتعزيز قدرة أمريكا على اجتذاب رأس المال من بقية العالم. وقد يكون قادة الولايات المتحدة في المستقبل أقل تعجرفا في إملاء شروطهم على آخرين، خاصة وأن الآخرين لن يستمروا في اعتمادهم إلى هذا الحد على الولايات المتحدة وعُملتها.
 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي