هموم النمو ستبقى لسنوات

لا إنفراجة قوية على صعيد النمو الاقتصادي العالمي في الأعوام القليلة المقبلة. هذا الاستنتاج بات الحاضر الدائم على الساحة في الوقت الراهن. والنمو المتواضع، أو بمعنى أدق المستقر، سيؤثر في المسار الاقتصادي العام، بينما يسعى العالم إلى التخلص من الآثار السلبية التي تركتها سلسلة من الأزمات عصفت به منذ مطلع العقد الحالي، بينما لا تزال هناك عوامل محركة لما يمكن وصفه بـ "التوتر الاقتصادي" موجودة في الميدان.
بل زادت بصورة أكبر بفوز دونالد ترمب، رئيساً للولايات المتحدة، الذي تعهد باتخاذ سياسات اقتصادية متشددة، في سياق مفهومه للمصالح الوطنية الأمريكية، بما في ذلك فرض رسوم جمركية إضافية عالية على الواردات الأمريكية الآتية من أغلبية البلدان، بمن فيها الدول الحليفة لبلاده. وهذا يعني، أن الأطراف الأخرى، ستقوم بالشيء ذاته، ما يجعل المعارك التجارية أقرب إلى توصيف الحروب.
العالم يحتاج إلى نمو مرتفع ولو قليلاً، بعد فترة عصيبة مر بها، ابتداء من جائحة "كورونا"، وإضراب طويل لسلاسل التوريد، والموجة التضخمية التي لا تزال تضرب هنا وهناك بأشكال متفاوتة بالطبع، إلى جانب المعارك التجارية التي لم تهدأ كثيراً، حتى بوجود إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض، فضلا عن الحروب الإقليمية، والمواجهات الجيوسياسية المنتشرة على هذا الكوكب.
يضاف إلى ذلك، تراجع الاستثمارات في كل المجالات تقريباً، وفي مقدمتها البنى التحتية، حتى في البلدان المتقدمة. المشهد العام للاقتصاد العالمي قد لا يكون مظلماً، إلا أنه ليس في وضعية واعدة على الأقل في السنوات المتبقية من العقد الحالي، ليس فقط بسبب المؤثرات السابقة المشار إليها، بل أيضاً باتساع رقعة حالة عدم اليقين.
وسط هذا المشهد تظهر بإلحاح "هموم" النمو العالمي. الكل يريده بالمستوى الذي يساعد على إغلاق الملفات المفتوحة غير المرغوب فيها، وتعويض الخسائر الناجمة عن الأزمات والمشكلات التي تجمعت في السنوات الأولى من هذا العقد. في العامين المقبلين، لن تزيد نسبة النمو على 3.3%، وفق توقعات كل الجهات العالمية ذات الاختصاص.
فهي لن تزيد على 1.8% بالدول المتقدمة، بينما كانت عند 1.7% بالعام الماضي، وستتراجع في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية إلى 4.2% مقابل 4.4% في العام الماضي. ففي منطقة اليورو (مثلاً) لن يزيد النمو على 0.8% في العام الجاري، وسيصل إلى أقصاه 1.2% في العام المقبل. وبالرغم من أن الولايات المتحدة تعد من أكثر الدول المتقدمة تحقيقاً للنمو في الفترة الماضية، فإن النمو فيها سينخفض من 2.8% حالياً، إلى 2.2% في السنة المقبلة.
والأمر ليس "مبهجاً" بالنسبة إلى النمو في الساحة الصينية التي كانت محركاً عالمياً له في العقدين الماضيين. فكل ما يطمح إليه المشرعون في بكين، أن لا يهبط مستواه عن 5%، ولا توجد ضمانات عملية لذلك. لكن يبقى الرهان على النمو العالمي في ساحات البلدان الصاعدة، والسبب الرئيسي لذلك، أنها تستفيد من ارتفاع الطلب العالمي جداً على سلع بعينها، كأشباه الموصلات والإلكترونيات التي يتطلبها الاتساع السريع للذكاء الاصطناعي، مع التذكير بالأثر الإيجابي للاستثمارات الكبيرة العامة في الصين والهند.
سيظل النمو العالمي هاجساً لا يغيب في السنوات المقبلة. لا توجد آلية أخرى، لاحتواء نهائي لمخلفات الأمم السابقة وتلك الحاضرة في الساحة حالياً. ولا شك في أن التفاهم التجاري العالمي (غير المتوقع)، سيسهم في دفع النمو لمسافات معقولة، لكن الأمور تتجه إلى مزيد من الضغوط مدفوعة اقتصادياً بالطبع، ولكنها متأثرة أيضاً وبقوة بالتوجهات السياسية العامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي