أسعار النفط والنبرة الصعودية

ارتفعت أسعار النفط الأسبوع الماضي بعد تراجعها على مدى 3 أسابيع متتالية، مدفوعة بمزيج من العوامل الداعمة بما في ذلك: تغييرات السياسة الاقتصادية الصينية وزيادة التفاؤل بالطلب، الاضطرابات في الشرق الأوسط وتشدد توقعات العرض. وعززت هذه العوامل النبرة الصعودية في الأمد القريب. بالفعل، أغلقت العقود الآجلة لخام برنت وغرب تكساس الوسيط عند 74.49 و 71.29 دولار للبرميل، محققة مكاسب قوية بنسبة 4.7 و6.09% على التوالي، مسجلة أعلى مستوى لها في 3 أسابيع.
أسهم انتعاش الطلب الصيني على النفط في تغذية الزخم الصعودي للسوق مع ارتفاع واردات النفط الخام في نوفمبر 14% على أساس سنوي، ما عكس سلسلة من الانخفاضات استمرت 7 أشهر. حيث، استغلت المصافي انخفاض أسعار النفط وزادت من معدلات الشراء، مع بقاء السعودية موردا رئيسيا بسبب التسعيرية التنافسية. وأضاف إعلان الصين عن أول تخفيف للسياسة النقدية منذ أكثر من عقد من الزمان المزيد من التفاؤل. على الرغم من أن هذه الخطوة قد تم تصميمها بالأساس لدعم الاقتصاد المتعثر، فإن الواردات المتزايدة تشير إلى أن المصافي الصينية تستعد لطلب أقوى حتى أوائل عام 2025. ولكن، يبدو أن كثيرا من هذه الزيادة مرتبطة بالتخزين وليس التعافي القوي في الاستهلاك.
في الوقت نفسه، عدم الاستقرار في الشرق الأوسط زاد من علاوة المخاطر الجيوسياسية. حيث، تصاعدت حالة عدم اليقين المحيطة بالشرق الأوسط بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. ما أضاف إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الحالي في المنطقة. على الرغم من أن إنتاج النفط في سورية ضئيل، فإن تحالفاتها مع روسيا وإيران قد تؤثر في أمن الإمدادات.
بالفعل، تزايدت المخاوف بشأن الإمدادات بسبب تنفيذ الاتحاد الأوروبي لحزمة العقوبات الـ15 ضد روسيا. استهدفت هذه التدابير أسطول ناقلات النفط الروسية المعروف بأسطول الظل، وهو حل بديل للحفاظ على صادرات النفط في ظل القيود السابقة. ومن المتوقع أن تعمل هذه الجولة الأخيرة من العقوبات، إلى جانب الإجراءات الأمريكية المتوقعة، على تقييد تدفقات النفط الروسية بشكل أكبر، ما يزيد من ضغوط العرض. في الوقت نفسه، أشارت بعض الدول الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة، فرنسا وألمانيا، إلى استعدادها لإعادة فرض العقوبات على إيران للحد من طموحاتها النووية.
وتؤكد هذه التحركات الجيوسياسية تشدد توقعات إمدادات النفط العالمية، مع إرجاء "أوبك+" زيادات العرض المخطط لها لمدة ربع آخر حتى أبريل 2025 فصاعدا وتمديد تخفيف تخفيضات الإنتاج بالكامل لمدة عام حتى نهاية عام 2026. وقد أدى هذا القرار إلى إحياء اهتمام المتداولين بالنفط مع تزايد التوقعات بصورة أكثر صرامة للإمدادات في 2025. أحدث البيانات القادمة من الصين تعزز هذا الاهتمام، ما يمنح أسعار النفط فرصة لتحقيق انتعاش في اللحظة الأخيرة هذا العام.
في هذا السياق، بدأت بعض البنوك الاستثمارية في مراجعة توقعاتها لأسعار النفط. في الآونة الأخيرة، قام مورجان ستانلي بمراجعة توقعاته لأسعار خام برنت لعام 2025 إلى أعلى على أساس أن إرجاء زيادات العرض من "أوبك+" من شأنها أن تؤدي إلى فائض أصغر مما كان متوقعا في السابق. من ناحية أخرى، توقع سيتي جروب أن يكون الفائض كبيرا، بنحو 800 ألف برميل يوميا، ما أعطى البنك سببا للبقاء متشائما بشأن أسعار النفط.
في الولايات المتحدة، أدت توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع التفاؤل بشأن الطلب على الطاقة. وكانت بيانات التضخم في نوفمبر متوافقة مع التوقعات، ما عزز الحجة لصالح التيسير النقدي. في الوقت نفسه، أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تراجع مخزونات الخام بنحو 1.4 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 6 ديسمبر. في المقابل، ارتفعت مخزونات البنزين والمقطرات بأكثر من المتوقع، ما يشير إلى ضعف الطلب في الأمد القريب.
في ضوء هذه المعطيات، أصبحت أسعار النفط في وضع يسمح لها بتحقيق مزيد من المكاسب في الأمد القريب. ومن المرجح أن يؤدي تشدد العرض، ارتفاع الواردات الصينية، وتزايد التوترات الجيوسياسية إلى إبقاء الأسعار مرتفعة.
من المتوقع أن تتحدى أسعار النفط مستويات أعلى، مع وجود عوامل صعودية قائمة بقوة. على الرغم من أن صورة العرض على المدى الأطول تشير إلى بعض الاعتدال، فإن التوقعات المباشرة تظل صعودية بقوة، بدعم من الأساسيات القوية. وينبغي للمتداولين أن يتوقعوا استمرار القوة في الأسابيع المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي