الاقتصاد السوري .. الثروات والفرص والتحديات
يمر اقتصاد سورية بمرحلة حرجة نتيجة الحرب الدائرة على أراضيها منذ 2011. فقبيل الحرب، كان الاقتصاد السوري يعد من بين الاقتصادات الناشئة في المنطقة، حيث سجل نموًا سنويًا متوسطًا بلغ نحو 5% في العقد السابق للحرب. ومع ذلك، أدى النزاع إلى تدهور كبير في جميع أنشطة القطاعات الاقتصادية.
فوفقا للتقديرات، انكمش الناتج المحلي الإجمالي لسورية بشكل كبير، حيث انخفض من نحو 68 مليار دولار في 2011 إلى ما يُقدّر بنحو 9 مليارات دولار في 2023. هذا الانخفاض يعكس تأثير الحرب في البنية التحتية والقدرة الإنتاجية. وبالمقارنة، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سورية نحو 3,500 دولار قبل اشتعال النزاع، ولكنه تراجع إلى نحو 1,000 دولار في السنوات الأخيرة.
تُعد الثروات الطبيعية أحد الأصول الرئيسية للاقتصاد السوري، فالبلد الذي أنهكته الحرب لأكثر من عقد من الزمان يمتلك احتياطيات من النفط والغاز الطبيعي تقدر بـ2.4 مليار برميل من النفط ونحو 9 تريليونات قدم مكعب من الغاز حيث كانت سورية تنتج 400 ألف برميل من النفط يوميًا قبل أن يتراجع إنتاجها بشكل كبير بسبب الحرب إلى أن وصلت القدرة الإنتاجية الحالية اليوم إلى مستوى 25 ألف برميل يوميا فقط. سورية تمتلك ثروات تعدينية كبيرة أيضا، فالتقديرات تشير إلى أن حجم احتياطياتها من الفوسفات يبلغ 1.5 مليار طن وتُعد من بين أكبر الدول المنتجة له عالميا.
كان إنتاج الفوسفات في سورية يتراوح بين 3 إلى 4 ملايين طن سنويًا قبل أن تتأثر هذه الصناعة بشكل كبير بسبب الظروف الحالية، إنتاج الفوسفات وحده يمكن أن يُسهم بشكل كبير في إنعاش الاقتصاد وإعادة بناء سورية المستقبل إذا تم استغلاله بشكل فعال يعظم أثر هذه الصناعة في الاقتصاد. فالمغرب البلد الغني بالفوسفات أسهم هذا المعدن في 5 % من ناتجه المحلي الإجمالي و بلغت نسبة التصدير فيه 80 % من الإنتاج.
القطاع الزراعي هو أحد الفرص المستقبلية للاقتصاد السوري، حيث يشغل نحو 17 % من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر فرص عمل لنحو 25 % من السكان. فالقمح وحده بلغ حجم الإنتاج منه 4.5 مليون طن سنويا قبل أن ينخفض بشكل كبير بسبب فقدان الأراضي الزراعية ونقص المياه وانعدام خطط الإصلاح الزراعي، ومع ذلك، هناك فرص كبيرة لإعادة تطوير هذا القطاع من خلال تحسين تقنيات الزراعة واستغلال التكنولوجيا الحديثة وتطبيق أفضل الممارسات العالمية التي توصلت لها آخر الأبحاث العلمية وزيادة الاستثمارات في هذا القطاع لزيادة الأراضي الصالحة للزراعة وإيجاد فرص العمل والوظائف ودعم الصناعات المصاحبة والخدمات اللوجستية الداعمة.
ورغم التحديات الكبيرة، هناك فرص واعدة أيضاً كفيلة بأن تسهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري، فإعادة الإعمار التي تتطلب استثمارات ضخمة، وتقدم فرصًا للمستثمرين المحليين والدوليين في مجالات مثل البنية التحتية والإسكان والطرق والمطارات والموانئ والمستشفيات والمرافق العلمية والصناعية تشكل مستقبلاً واعداً لسورية الجديدة. ولعل السياحة التي تتضمن إمكانيات هائلة وسلسلة من المواقع الأثرية والثقافية الغنية هناك تشكل بلا شك فرصا كبيرة للاستثمار في هذا القطاع الذي يمكن أن يسهم في جذب السياح وزيادة الإيرادات وتدفق العملات الأجنبية التي تحتاجها سورية في الوقت الراهن.
أما أكبر الاستثمارات وأهمها بالنسبة إلى بلد كسورية عانى أتون حرب وعدم استقرار هجرة الملايين من شعبه فهو الاستثمار في العنصر البشري ولعل إعادة المهجرين من الأيادي العاملة والكفاءات العلمية والاستثمار في التعليم والتدريب والتأهيل هو حجر الزاوية لا سيما إذا التقت هذه الكفاءات المؤهلة بالتكنولوجيا الحديثة المتقدمة لتشكل قوة دافعة محركة للمستهدفات الاقتصادية. كل ذلك يتطلب عمل شاق وجهد كبير يتضمن رؤية خلاقة وإستراتيجيات فعالة وخطط بناء واضحة يتم الالتزام بها بحزم مع المرونة في تعديل المسارات وإعادة رسم السياسات حيث تتوائم مع المتغيرات وتلتقي بالفرص المتاحة متى ما تطلب الأمر ذلك.