الرسوم الجمركية تهدد مساعي ترمب لخفض التضخم وتقلق المستهلكين والمستثمرين

الرسوم الجمركية تهدد مساعي ترمب لخفض التضخم وتقلق المستهلكين والمستثمرين
ترمب يوقع أمرا تنفيذيا. "أسوشيتد برس"

لا تكاد النفوس تهدأ بعض الشيء، حتى يطل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من جديد بتصريحات أو توجيهات تحدث صخبا في الأسواق، وإن كان أغلبها ينتهي إلى ما هو أشبه بقفزة في الهواء.

أصدر ترمب توجيهات جديدة بدراسة فرض رسوم جمركية على واردات النحاس، من أجل إعادة بناء إنتاج بلاده من هذا المعدن المهم في عدة صناعات، بما في ذلك المعدات العسكرية، حيث وقع أمرا لوزير التجارة هوارد لوتنيك بإطلاق تحقيق بموجب قانون استخدمه في ولايته الأولى لفرض رسوم بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم.

ووفقا للبيت الأبيض، فإن أي رسوم جديدة ستتقرر في ضوء نتائج التحقيق، الذي سيحدد أثر واردات النحاس بجميع أشكالها على الأمن القومي، وأكد في بيان أن ترمب يفضل فرض رسوم بدلا من تحديد حصص للواردات.

ومن قبل، أصدر ترمب توجيهات بفرض رسوم جمركية نسبتها 25% على واردات الصلب والألمنيوم، وفرض رسوما إضافية على واردات السلع من الصين بسبب ما يقول إنه "دور لها في أزمة الحدود" والمخدرات. كما تعهد بفرض رسوم على واردات من كندا والمكسيك، لكنه أرجأ تنفيذها شهرا بعد تعهد البلدين بالتعاون في مكافحة التهريب عبر الحدود.

وتنذر الرسوم جمركية على واردات من شركاء تجاريين رئيسيين - إن توسعت - بمفاقمة التضخم، وفقا لما يراه محللون، وهو ما يتناقض مع رغبة ترمب المعلنة في خفض التضخم.

ترمب يثير مخاوف التضخم

بعد نحو أسبوع من تنصيب ترمب، قال صناع السياسات النقدية في الولايات المتحدة: إن الإجراءات الأولية المقترحة من الرئيس أثارت مخاوف في مجلس الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) بشأن ارتفاع التضخم، حيث توقعت شركات رفع الأسعار لتعويض تكلفة الرسوم الجمركية.

وأبقى الفيدرالي سعر الفائدة القياسي في النطاق الحالي عند 4.25-4.5% في اجتماعه أواخر الشهر الماضي، حيث قال المسؤولون في البنك المركزي إنهم لن يتعجلوا في خفض الفائدة مجددا حتى يتأكدوا من أن التضخم سينخفض ​​إلى المعدل المستهدف.

كان ترمب قد وجه انتقادا لاذعا لرئيس مجلس الاحتياطي جيروم بأول الشهر الماضي، واتهمه عبر منصة "تروث" بالفشل في إدارة التضخم، مؤكدا أنه سيتولى هذه المهمة بنفسه، بحسب "وول ستريت جورنال".

ويتزايد قلق المستهلكين في الولايات المتحدة من أجندة ترمب بشأن الرسوم الجمركية، حيث أظهر مسحان قتامة في أفاق الاقتصاد، وفقا لما ذكرت صحيفة "فايننشيال تايمز".

وفي مسح لمعنويات المستهلكين أجرته جامعة مشيجان، ذكر 2 من كل 5 الرسوم الجمركية كمصدر قلق لهما، وفقا للصحيفة، التي أشارت إلى تراجع المعنويات الكلية 10%.

أثر أكبر من السلع

قد لا يقف أثر التضخم المحتمل نتيجة لرسوم ترمب الجمركية عند حدود أسعار المستهلكين ومخاوفهم، بل قد يمتد إلى خريطة الاستثمار، خاصة بالنسبة للمتقاعدين في الولايات المتحدة.

ونصحت الخبيرة الإستراتيجية في المحفظات لدى "مورنينج ستار" أيمي أرنو المتقاعدين، أو من يخططون لترك العمل قريبا، بالاستثمار في سندات الخزانة المحمية من التضخم، وهي سندات حكومية مرتبطة بمؤشر أسعار المستهلك، حيث لن تستفيد هذه الفئة من زيادة الراتب للحدّ من تأثيرات التضخم.

وقالت: "قد لا يرى المستثمرون في العشرينات والثلاثينات من العمر تأثيراً كبيراً لارتفاع الأسعار على محفظتهم الاستثمارية، بما أن الرواتب يفترض أن ترتفع مع الوقت تماشياً مع ارتفاع الأسعار، فيما ترتفع قيمة الأسهم بأسرع من التضخم عموماً"، بحسب ما نقلته عنها وكالة "بلومبرغ".

وتشمل صناديق السلع المتنوعة النفط والغاز والنحاس والذهب والفضة والقمح وفول الصويا. ولكن قليلا فقط من هذه الصناديق سجل أداء جيدا في الآونة الأخيرة.

ومع معدل فائدة يصل أحيانا إلى نحو 7% على الرهن العقاري، يشعر كثير من المشترين المحتملين في الولايات المتحدة أن السوق قد لفظتهم. وقد يفاقم التضخم هذا الوضع، خاصة إذا أدت سياسات ترمب إلى حرب تجارية تقود التضخم ومن ورائه الفائدة إلى مستويات قياسية في الارتفاع.

كما أن مالكي المنازل الحاليين الذين يسددون قروضا بفائدة تتراوح بين 3% و4% ليسوا مستعدين كثيرا للبيع إذا كان ذلك سيجبرهم على الالتزام برهن عقاري جديد بمعدلات الفائدة السائدة اليوم.

ولا تلوح في الأفق احتمالات انخفاض الفائدة على الرهون العقارية إلى مستوى أقرب إلى 6% في المستقبل القريب، بما أن إدارة ترمب تعمل على إعداد مجموعة من السياسات قد تؤدي إلى زيادة التضخم، بحسب مارك زاندي، كبير الخبراء الاقتصاديين في "موديز أنالاتيكس".

"ماجا" كلمة السر

يتعلل ترمب بعدة أسباب مع سعيه إلى التوسع في فرض الرسوم الجمركية على عدة دول، تحت شعار "ماجا" أو "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا" (Make America Great Again) الذي تحول إلى حركة لها ملايين المؤيدين في الولايات المتحدة، حيث يؤمن كثير منهم بأن هذه السياسات ستحقق مزيدا من الرخاء الاقتصادي وستوفر كثيرا من فرص العمل.

وعندما كشف البيت الأبيض أمس عن توجه ترمب إلى فرض رسوم على النحاس، قال: إن وراء هذا التوجه أمورا تتعلق بالأمن القومي، عبر إشارة إلى وجود "مخاطر كبيرة في سلسلة توريد النحاس، في ظل الاعتماد على المصادر الأجنبية في الحصول على النحاس الخام والمذاب والمصنّع" بينما لديها "احتياطيات وفيرة" من المعدن الأصفر.

وتبقى قدرات الولايات المتحدة على إنتاج النحاس وتصنيعه "متأخرة بشكل كبير عن المنافسين" بحسب وصف البيان الأمريكي، الذي أشار إلى أن "منتجا أجنبيا واحدا يهيمن على صهر وتكرير النحاس عالميا"، في إشارة إلى الصين.

كانت العلة مختلفة مع دول كندا والمكسيك والصين، التي اتهمها بالوقوف وراء تجارة المخدرات في بلاده وعدم التعاون في هذا الملف. وقال إنه يسعى أيضا إلى معالجة أوجه الخلل في الميزان التجاري مع هذه الدول، بما يشمل أيضا دول الاتحاد الأوربي.

فهل سيحقق شعار "ماجا" الرخاء المنشود لمؤيدي سيد البيت الأبيض، أم أن مخاطر السياسات المنبثقة ستكون سحرا انقلب على الساحر في قادم الأيام؟

سمات

الأكثر قراءة