إعادة الإعتبار إلى الفحم

في أغسطس من العام الماضي وخلال إحدى التجمعات لحملته الانتخابية، خطب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في مناصريه قاطعا وعداً لهم، بأن يخفض فاتورة الكهرباء التي تثقل جيوب المواطنين الأمريكيين إلى معدل النصف في حال انتخابه، يعلم الرئيس الأمريكي أن هذا الهدف لن يتحقق بالموارد الطبيعية المتاحة حالياً وتحت وطأة السياسات المناخية المتشددة ووفقا لمزيج الطاقة الأمريكي الحالي.
وبعد نحو السبعة أشهر من هذا الوعد أطلق ترمب بالأمس تصريحاً يشكل تحولاً جذرياً في مزيج الطاقة الأمريكي قائلاً: "بعد سنوات من وقوعنا تحت الأسر لدى متطرفي البيئة والمعتوهين والراديكاليين وقطاع الطرق الذين سمحوا للدول الأخرى وتحديداً الصين، لتحصل على ميزات على حسابنا بفتحها مئات من معامل الفحم، أفوض إدارتي فوراً لإنتاج الطاقة بواسطة الفحم النظيف الرائع"
لقد شهدت الولايات المتحدة تحولات جذرية في مزيج الطاقة الخاص بها، مدفوعة بالتقدم التكنولوجي وضغوط المناخ وتغير السياسات الحكومية أما الفحم المصدر التاريخي للطاقة، فقد تراجع دوره بشكل ملحوظ أمام صعود النفط الصخري والغاز الطبيعي والطاقات المتجددة خلال العقد الماضي.
اعتمدت الولايات المتحدة لعقود على الثلاثي التقليدي للطاقة الفحم، الغاز الطبيعي، والطاقة النووية، بينما شهد مزيج الطاقة منذ عام 2010 تحولات كبرى قادت إلى تصدر الغاز الطبيعي مصادر توليد الكهرباء، ليصبح المصدر الرئيسي بنسبة 40% بفضل وفرة الإمدادات وانخفاض التكاليف، حيث قادت ثورة أحواض الغاز الصخري إلى وفرة وكفاءة أكبر، بينما حققت طاقة الرياح والطاقة الشمسية نموًا هائلًا، حيث تمثلان معًا 22% من إنتاج الكهرباء، وانخفضت مساهمة الفحم من 50% في 2008 إلى 16% العام الماضي بينما استقر معدل استخدام الطاقة النووية عند معدل 18%.
لقد تم تشديد قواعد انبعاثات الكربون والملوثات وارتفعت تكاليف تشغيل محطات الفحم، ما أثر على مئات من معامل إنتاج الفحم واستخداماته في الولايات المتحدة وأوقف كبار المستثمرين والمؤسسات المالية استثماراتهم وتمويلات مشروعات الفحم، ما أسفر عن انخفاض محطات ومعامل الفحم العاملة من 600 في عام 2008 إلى 200 في العام الماضي وخسرت ولايات رئيسية تعتمد على الفحم مثل: ويست فيرجينا و وايومنج وكنتاكي جل هذه المعامل، وقاد هذا الانخفاض إلى خسارة 100 ألف عامل وظائفهم في هذه المحطات على مستوى الولايات الأمريكية.
كانت أقسى الفترات الزمنية وأشدها وطأة على الفحم، تلك التي أعقبت تولي الرئيس بايدن سدة الرئاسة، حيث عاد إلى اتفاقية باريس للمناخ 2021 والتزمت إدارته بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 50% بحلول 2030
وتم تشديد معايير الانبعاثات وسن قواعد جديدة لانبعاثات الميثان في 2022 استهدفت بشكل مباشر قطاع النفط والغاز وقلل من منافسة الفحم.
وتم فرض تكاليف إضافية على محطات الفحم في 2023 وتخصيص 369 مليار دولار للطاقات النظيفة، ما عزز منافسة الرياح والطاقة الشمسية، وتم الإجهاز على فرص نمو الفحم في الولايات المتحدة عبر فرض رسوم على انبعاثات الميثان من مشروعات الوقود الأحفوري.
وإبان الفترة الرئاسية الأولى للرئيس ترمب عاد الفحم إلى الواجهة وتم إعادة الاعتبار له عبر عدة قرارات، كان أبرزها إلغاء خطة الطاقة النظيفة خطة أوباما التي تهدف لخفض انبعاثات محطات الفحم بنسبة 32% بحلول 2030
كما سمحت بتوسيع مناجم الفحم في المناطق المحمية، مثل متنزه "جوليت كريك" الوطني. واقترحت إعانات مالية للحفاظ على محطات الفحم لأسباب تتعلق بأمن الطاقة.
إلا أن قرار ترمب بالأمس سيكون نقطة تحول كبرى في صناعة الفحم، الذي وصفه بالنظيف والرائع وسيغير بلا شك من مزيج الطاقة في الولايات المتحدة، التي تخشى إدارة ترمب من منافستها الصين التي ترفع كل حجر بحثاً عن مصادر الطاقة وتستورد الفحم من الولايات المتحدة نفسها في رحلتها للحصول على طاقة تغذي شرايين اقتصادها المتنامي، لينافس الاقتصاد الأمريكي الأعظم في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي