كيف تصبح مليارديراً من بيع الليموناضة بدولار واحد؟

حققت "ميشوي" نمواً سريعاً وأرباحاً ثابتة معتمدة على تغير ديناميكيات العمالة في الصين، ومتنافسة مع شركات من وزن "ماكدونالدز" و"ستاربكس"
يمكنك أن تصبح مليارديراً من بيع المثلجات والليموناضة وعصائر الفاكهة بما لا يتجاوز دولاراً واحداً. إن الأخوان جانغ هونغتشاو وجانغ هونغفو خير مثال على ذلك، فقد أسسا أكبر سلسلة محال لبيع المشروبات الطازجة في الصين، وجمعا ثروة طائلة من خلال استغلال تحولات سريعة في ديناميكيات سوق العمل الصينية.
حققت مجموعة "ميشوي" (Mixue) 444 مليون دولار عند طرحها العام في البورصة، وهو إنجاز مذهل في قطاع المأكولات والمشروبات الذي تحيطه المصاعب، إذ إنه حتى شركات من وزن "ستاربكس" و"ماكدونالدز" تعيد هيكلة عملياتها. ومع استمرار ارتفاع أسهم الشركة، تجاوزت ثروة الأخوين جانغ ثروة مؤسس "ستاربكس" هاورد شولتز.

استغلال تراجع سوق العمل

في ظلّ التقلبات العالمية، يصعب العثور على مشروع سريع النمو يدرّ أرباحاً ثابتة. مع ذلك، تجاوز عدد متاجر "ميشوي" عدد فروع سلسلة مطاعم "ماكدونالدز"، فلديها اليوم أكثر من 45 ألف فرع بعد أن تضاعف عدد مواقعها خلال 3 سنوات فقط. ولم تتكبد الشركة أي خسائر. ففي الأشهر التسعة الأولى من 2024، نمت إيراداتها 21% إلى 2.6 مليار دولار، بينما بلغ صافي أرباحها نحو 490 مليون دولار، بزيادة 42% مقارنة مع العام الذي سبقه.
يعود نمو "ميشوي" إلى جيش من أصحاب الامتيازات. فنادراً ما تدير الشركة أياً من فروعها مباشرة. بدل ذلك، تعتمد بشكل أساسي على إيراداتها من بيع مستلزمات المتاجر مثل الشراب المحلى والحليب والفواكه، إضافة إلى معدات مثل الثلاجات وآلات صنع المثلجات، إلى أصحاب الامتيازات.
في ظلّ محدودية فرص العمل، يغري عرض "ميشوي" التجاري كثيراً من الصينين. فالتكلفة الأولية لفتح متجر لا تتجاوز 29 ألف دولار، فيما لا تحتاج إدارة المشروع إلى كثير من الخبرة. إذ تتولى الشركة جميع العمليات، بما في ذلك الحملات الإعلانية. ولا يبقى على رائد الأعمال الطموح إلا اختيار موقع مناسب يمكّنه بسرعة من استرداد التكاليف التي تكبدها.
يأتي توسع "ميشوي" في وقت تعيش سوق العمل في الصين تحولات كبرى. في ظلّ الأتمتة، بات حتى المصنع الأكبر في العالم عاجزاً عن توفير ما يكفي من الوظائف في قطاع التصنيع. في 2023، ضمّ قطاعا الجملة والتجزئة 135 مليون موظف، أي أكثر من قطاع التصنيع بـ12 مليوناً، وفقاً لأحدث الإحصاءات. إلى ذلك، يفضّل كثير من الصينيين العمل لحسابهم الخاص أو مع أفراد عائلاتهم، فيما تسرّح الشركات الكبرى الموظفين وتقلّص الرواتب. في الحقيقة، لا تبيع "ميشوي" الليموناضة بدولار واحد، بل تبيع حلم ريادة الأعمال.

شكاوى وتآكل الإيرادات

مع ذلك، بدأت تتعالى أصوات عبر الإنترنت تشتكي من أن "ميشوي" تحقق أرباحاً على حساب أصحاب الامتياز، وأن الشركة تحمّل أصحاب المشاريع الصغيرة المخاطر التشغيلية.
انتشرت فروع "ميشوي" على امتداد الصين. حتى في المدن الصغيرة قد تجد شارعاً واحداً يضمّ فروع عدة، بعضها لا يبعد عن الآخر أكثر من 200 متر، وهي تتنافس على الزبائن نفسهم. في غضون ذلك، أظهرت البيانات المالية للشركة إشارات إلى تآكل الإيرادات، ففي الأشهر التسعة الأولى من 2024، انخفض متوسط قيمة البضائع اليومية لكل فرع 5% لتصل إلى 4184 يواناً، وفقاً لأحدث البيانات المتاحة.
لا تفرض "ميشوي" بموجب اتفاقيات الامتياز على الفروع الجديدة الالتزام بمسافة حدّ أدنى من الفروع القائمة. وبالنسبة إلى أصحاب الامتيازات، صار العمل يتطلب مزيداً من الجهد إلى جانب القلق المالي.
في المتوسط، يمكن لكل فرع توقع تلقي 367 طلباً يومياً، أي بمعدل طلب كل دقيقتين خلال يوم عمل طوله 12 ساعة. مع ذلك، لا يجرؤ المشغلون على التراخي. ووفقاً لوسائل الإعلام المحلية، قد يستغرق بعض الفروع من عامين إلى 3 أعوام لتعويض استثماره، وهي فترة أطول بكثير مما يروج له بعض موظفي الشركة.
حتى الآن، تفتتح ميشوي فروعاً بوتيرة أسرع بكثير من إغلاقها، ويبدو أن الاستياء منها يقتصر على التسخط عبر الإنترنت. للأسف، في اقتصاد ضعيف، لا تملك المؤسسات الصغيرة أي قوة، إذ إن الشركة الكبرى تكون متحكمةً. لكن نجاح "ميشوي" في سوق رأس المال يزيد من تفاقم واقع اقتصادها المدفوع بالمنافسة الشديدة وهذا ينذر بخبو عزم محتوم في النهاية.

خاص بـ"بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي