النظام الأمريكي الجديد
في الأسبوع الماضي طرح هذا العمود أهم معالم سياسة ترمب الاقتصادية، كما جاءت طبقا لورقة Stephen Miran رئيس فريق الاستشارات الاقتصادية في الإدارة. كتبها قبل المنصب، ولكن بدأ وكأنها برنامج ترمب الاقتصادي. ردود الفعل أمريكيا وعالميا تعطي بعض الإشارات العملية قبل الدخول في بعض النواحي النظرية.
هناك تذبذب في الأسواق وتوجس في الاستثمارات، لأن عدم اليقين ارتفع، خاصة أن الرئيس غيَّر رأيه أكثر من مرة، أما في الأولويات أو التشديد والمناورة أو التأجيل، كذلك ظهرت عراقيل قانونية ضد فصل بعض موظفي الحكومة، وإغلاق بعض المنظمات. كذلك جاءت ردود الفعل العالمية مرات بالتريث أو الخوف أو بالانتقام، إلى حد أن وصفت بأنها نقطة انعطاف في نهاية المنظومة التي قام عليها النظام العالمي بعد الحرب الثانية. ربما يغيب على البعض رد الفعل بأن العجز في الميزانية الجاري أدى إلى مستوى من الدين العام، يمكن أن يستمر للأبد. لذلك لا بد من سياسة جديدة تكسر نموذجا غير قابل للاستمرار، خاصة في ظل المنافسة الجيوسياسية والتقنية مع الصين. لذلك التساؤلات ربما ليست عن التوجه، ولكن عن مضامين الطرح.
هناك ثمة مصاعب وأحيانا تناقضات في طرح الورقة. الأولى عن محاولة و حاجة أمريكا للاستثمارات من ناحية ومحاولة تخفيض قيمة الدولار، أو حتى الاقتراح برسم على المستثمرين في السندات الامريكية أو استبدال الاستثمار في سندات قصيرة الأجل بأخرى تصل حتى لقرن من ناحية أخرى. الأخرى الربط والتناقض الآخر بين المنظومة الأمنية والعلاقة التجارية والمالية في أكثر من دائرة لتقسيم العالم بين حلفاء وعلاقة عادية وخصوم. ووجود الموارد والمقدرات التنافسية المتغيرة والجغرافيا والحالة المالية تجعل إدارة التقسيم عادةً غير عملية كلما بالغنا في الدقة.
فمثلا تحتاج تعاونا لخفض الدولار كما حدث في اتفاقية بلازا في 1985، لكن اليوم الكل خصم بدرجة، كما أن الرسوم على الصين سابقا كانت أقل وعلى بلد واحد. القليل يتحدث عنه ولكن يصعب أن تغير نمط العلاقات الخارجية دون تفاعل وإعادة نسق العلاقات الداخلية وحتى التنظيم المجتمعي الأمريكي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهذا يصعب تأطيره أو توقعات تطوره، فمثلا أحد أسباب فوز ترمب كان التضخم، ولكن أغلب هذه السياسات تضخمية، ما قد يلاقي استياء ومعارضه خاصة أن الدورة الانتخابية بعد سنة ونصف. بل إن الفيدرالي لم يخفض الفائدة، لأن هناك توجسا من التضخم. هناك نواحي فنية اقتصاديا جدلية مثلا، أحد الأهداف إعادة التصنيع لأمريكا.
ولكن هناك توجه عالمي لتقليل دور الصناعة في التوظيف حتى لدى الدول التي لدى أمريكا معها فائض تجاري بسبب الارتفاع في الإنتاجية. كذلك دور العلاقة بين ارتفاع الدولار، وحاجة أمريكا لتمويل العجز من ناحية، وعلاقة تلك الفجوة بين الاستهلاك العالي في أمريكا والتوفير. فأمريكا تلوم الصين على ضعف الاستهلاك والتوفير المرتفع، فهل للصين أن تلوم أمريكا على الاستهلاك المرتفع والتوفير الضعيف. التماثل يقود إلى حالة من المطالبة بالتوازن، ولكن التوجهات الجيوسياسية لا بد أن تقف في طريق التماثل. ربما في المدى البعيد لا يمكن لأمريكا بنحو 5% من سكان العالم أن تحوز على 26% من الدخل القومي العالمي خاصة أن إنتاج الغاز بدأ بالتناقص، والنفط ليس ببعيد، ربما هناك علاقة بين هذا والمطالبة بقريين لاند وانضمام كندا.
لا أعرف إلى أين تقود هذه التوجهات، المؤكد أن هناك تغيرات مهمة ومخاطر معتبرة على أكثر من صعيد. الحالة الوسطية تقول إن أمريكا تسعى لدرجة من التجديد، وإعادة نسيج لبعض العلاقات دون تغير كبير يأخذ من حديث الرئيس عنوانا لغير الممكن، لكن أهم قانون في التاريخ يقول إن المستقبل يقاد بالنوايا غير المتوقعة.