لا تشتروا النفط من فنزويلا
عام 1922 وفي أعماق بحيرة مراكايبو شمال غرب فنزويلا تفجر النفط في بئر باروسا 2 بمعدل 100 ألف برميل يومياً، ليبشر باحتياطيات هائلة، بدأ أول مؤشراتها في بداية 1914 ولينطلق ما يسمى بالجنون الذهبي في الدولة اللاتينية التي طالما افتخرت بأنها أرض القهوة والكاكاو.
بعد 5 أعوام من ذلك التاريخ قفزت فنزويلا لتصبح ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة ليشكل النفط 90% من صادراتها ومصدر دخلها الرئيسي، ما جعلها مركز جذب عالميا للنفط، هرعت إليه كبريات الشركات الأمريكية والأوروبية التي آمنت بالإمكانات الهائلة التي تمتلكها فنزويلا. لقد قفزت بعض الدراسات بحجم احتياطيات الدولة اللاتينية لتضعها على قمة مالكي النفط في العالم، رغم وجود بعض الشكوك في الأرقام التي تؤكد هذه الاحتياطيات من منظور هندسي واقتصادي وتجاري.
وفي خضم الحرب العالمية الثانية كانت فنزويلا المورد الرئيسي للحلفاء، وتعزز دورها بزيادة إنتاجها من النفط إلى مستوى مليون برميل يومياً، لتصبح فنزويلا شريكاً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية، ما مهد لعلاقة طويلة الأمد على ضفتي الأمريكتين.
إلا أن فنزويلا وفي وسط التغييرات الأيديولوجية والتوجهات السياسية في العالم وفي أمريكا الجنوبية تحديداً وفي غمرة الاتجاه السائد آنذاك اتخذت قرارها بتأميم صناعة النفط وتأسيس شركتها الوطنية، رداً على سيطرة الشركات الأجنبية وخصوصاً الأمريكية منها، ومن ذلك الحين أصبحت فنزويلا ومركزها النفطي تحت ضغط غربي مستمر يخف حيناً ويشتد أحياناً أخرى وفقاً للضغوط الاقتصادية وتقلبات أسواق النفط العالمية.
قبل يومين أعلن ترمب أنه وقع أمرا تنفيذياً يجعل كل من يشتري النفط والغاز من فنزويلا عرضة لتطبيق تعريفة جمركية قدرها 25% وهو بشكل أو بآخر يقول لا تشتروا النفط من فنزويلا وإلا فستنتظركم رسوم جمركية سيتم تطبيقها في الثاني من أبريل المقبل.
الحقيقة أن الحرب التجارية التي يشنها ترمب على عديد من الدول بزيادة التعريفة الجمركية وإن كانت موجهة بشكل مباشر إلى دول بعينها إلا أن الضربة التي تستهدفها إدارة ترمب فيما يتعلق بنفط فنزويلا هي مزدوجة، فترمب يعلم أن الصين والمصافي المعروفة بأباريق الشاي الصينية وهي المستقلة عن الحكومة الصينية تعتمد بشكل كبير على النفط الفنزويلي، فالاستهداف موجه لكل من الاقتصاد الصيني والفنزويلي، كما أن إسبانيا وإيطاليا والهند لن تتمكن من الاستمرار في سد حاجاتها من النفط الفنزويلي، الذي يمنح ميزات تجارية للمستوردين نتيجة وطأة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
الصين بدورها عقدت أخيرا صفقة النفط مقابل الديون مع فنزويلا، كما أن الإيرانيين قدموا مساعدات فنية لتحسين الإنتاج الفنزويلي في النفط الثقيل، وهو ما يثير قلق الإدارة الأمريكية الحالية.
هذا القرار لم يكن حرب ترمب الأولى على النفط الفنزويلي، فلقد فرض عقوبات قاسية على النفط الفنزويلي في 2017 إبان فترة رئاسته الأولى وجمد أصول شركة النفط الفنزويلية الوطنية PDVSA عام 2019 ما تسبب في هبوط الإنتاج الفنزويلي من 1.9 مليون برميل يومياً إلى 340 ألفا، وتركت أثراً بالغاً في حجم الاستثمارات وتنمية القطاع النفطي كما في صيانة البنية التحتية للصناعة النفطية هناك.
وعلى نهج "كل شيء مباح في الحب والحرب" كانت مقاربة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن مع النفط الفنزويلي مختلفة، فتحت وطأة أسعار النفط المرتفعة التي شعر بلهيبها المواطنون الأمريكيون عند محطات الوقود وقفزت بمعدلات التضخم عالياً، خفف بايدن العقوبات على النفط الفنزويلي وأقر بعض الإعفاءات للشركات النفطية الأمريكية للعودة إلى فنزويلا لمساعدتها على زيادة الإنتاج وضخ كميات أكبر من النفط إلى الأسواق طمعاً في خفض أسعار النفط وتخفيف مستويات التضخم في البلاد.
الإعلان الأخير من الرئيس الأمريكي ترمب بمعاقبة مشتري النفط الفنزويلي سيؤثر بلا شك في الصناعة النفطية الفنزويلية، كما أن معدلات الإنتاج الحالية ستتأثر سلباً، إلا أن الاقتصاد الصيني في مرمى الهدف أيضاً نتيجة الصفقات التجارية والنفطية الأخيرة وتطورها بين البلدين.