تنامي تحدي الدين
بينما التوجسات الجيوسياسية تعصف بالعالم وتستأثر بتركيز الأذهان فإن الدين ينمو أحيانا بهدوء ومرات بخلسة ليغذي المخاطر الاقتصادية وبالتالي الجيوسياسية. منظمة الدول الغنية OECD تصدر تقريرا سنويا عن حالة الدين السيادي وللشركات سنويا، التقرير يتعامل مع المستجدات مع نهاية 2024، هذا العمود قراءة لأهم ما ورد في التقرير.
الدين ليس جديدا، لكن نقطة التحول كانت في تمويل تبعات أزمة كوفيد 19 التي أخذتها الحكومات سببا رئيسيا لتمويل الكل من المستهلك العادي، وكل ما صنف أنه ضروري لاستمرار الحياة الاقتصادية. هناك أيضا الآن حاجة إلى مزيد من الدين لتمويل النمو والاستثمارات والدفاع، لأن الأوضاع الجيوسياسية واضحة للعيان خاصة بين الغرب والصين وبين روسيا وأوروبا وعديد من النزاعات الإقليمية التي يغذيها الاستقطاب العالمي. الإشكالية أن نمو الدين يأتي على خلفية ارتفاع التكاليف وتباطؤ في الاقتصاد العالمي وحرب تجارية. الدراسة تخصص الجزء الأكبر لأعضاء المنظمة، لكن تتعامل بالدين عالميا.
بلغ حجم الدين (سندات الحكومات والشركات) $100 تريليون (كل الأرقام $ بتريليونات عدا ما يذكر خلافه) ما يعادل إجمالي الدخل القومي للعالم مع نهاية 2024. اقترضت الحكومات والشركات $25 تريليونا في 2024، ثلاثة أضعاف ما تم اقتراضة في 2007. دين حكومات دول المنظمة وحدها بلغ $56 ترليونا بزيادة 30% منذ 2018. ارتفعت ديون الشركات غير المالية من 21 إلى 34، ارتفاع بنسبة 60%، بينما خدمة الدين وصلت 3.3% من الدخل الإجمالي، أي أكثر من إنفاق الدفاع. بينما ارتفعت ديون الدول النامية لثلاثة أضعاف لتصل 12 لنفس الفترة، وصلت خدمة الدين إلى 365 مليارا في 2022 بنسبة 6.3% من عوائد الصادرات. أخيرا يحل تقريبا 50% من الدين العالمي في الفترة حتى 2027 ما يسبب ضغوطات عالية على إعادة التمويل وربما نسب الفائدة، وبتبعات اقتصادية مؤثرة. كذلك حدث تغير في قاعدة المستثمرين، حيث قللت البنوك المركزية من دورها لصالح الأجانب والقطاع الخاص، بينما أصبحت الحكومات تعتمد أكثر على الدين قصير الأجل.
الواضح من حجم الدين وتركيبة الاستحقاق والحالة الجيوسياسية والسياسات الحمائية والتباطؤ الاقتصادي والمفاجآت المحتملة في قطاعات موبوءة بالدين مثل العقار أن هذه مخاطر قائمة ومعتبرة. لذلك هناك حاجة "لإدارة مستدامة للدين" خاصة في ظل حالة عدم اليقين التي تسيطر على العالم.
الدين آلية ضرورية، لكن كلما يرتفع تزداد صعوبة المشي على الحبل. هناك تحديات في إدارة الدين العام تختلف حسب طبيعة الاقتصاد، فالاقتصاد العميق الذي هو جزء من منظومة سلاسل الإمداد والتجارة في المصنوعات العالمية يختلف عن اقتصاد مبني على السلع التي دورتها نسبيا طويلة، وذلك قبل الاختلاف في كفاءة الإدارة، أولها أن كثيرا من الحكومات لا يستطيع مقاومة توظيف الدين للاستهلاك بدلا من الاستثمار، ثانيا حقيقة أن جزءا من الاستثمارات لن يكون مجزيا إلى حد توليد أموال كافية لتسديد الدين، ثالثا غالبا هناك فجوات زمنية، فمثلا كثير من الحكومات يقترض من مصارف محلية لتمويل استثمارات طويلة الأجل، ما يضغط على المصارف التي تعتمد على ودائع تحت الطلب قصيرة الأجل بطبعها.
ينتهي التقرير بعدة توصيات، منها تطويل مدة السندات لكي تكون هناك مرونة وتقلل تكلفة إعادة التمويل، ثانيا، التوازن بين الإنفاق العام والاقتراض، ثالثا، لا بد من تطوير واستقرار الأسواق المالية.