رهانات خفض الفائدة توفر ملاذاً لمستثمري الأسواق الناشئة من ترمب
تستقطب الرهانات على تراجع أسعار الفائدة العالمية مستثمري الأسواق الناشئة، ممن يبحثون عن مأوى بعيداً عن التقلبات الشديدة التي أثارتها الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
تتمثل هذه الاستراتيجية في استهداف السندات المقومة بالعملات المحلية في البلدان النامية، حيث ما تزال العوائد مرتفعة وتملك البنوك المركزية متسعاً كبيراً لتيسير السياسة النقدية في حال استمرار الحرب التجارية العالمية لفترة طويلة. يمكن تنفيذ هذه الرهانات أيضاً عبر ما يُعرف بمراكز المستفيد، وهي مراهنات على انخفاض أسعار الفائدة عبر عقود مقايضتها.
اضطرابات الأسواق
حققت هذه الاستراتيجية أداء قوياً خلال الاضطرابات التي شهدتها الأسواق في الأيام القليلة الماضية. في الوقت الذي هوت فيه الأسهم الأميركية -إذ سجل مؤشر "إس أند بي 500" أسوأ انخفاض خلال يومين منذ مارس 2020، ما أدى إلى محو نحو 5 تريليونات دولار من القيمة السوقية- حقق مؤشر بلومبرغ للسندات الحكومية المحلية في الأسواق الناشئة أفضل أداء أسبوعي له منذ نحو شهر، ليواصل مكاسبه منذ بداية العام الحالي. سجلت أيضاً بعض عقود مقايضة أسعار الفائدة في كل من البرازيل وتشيلي أكبر تراجع أسبوعي لها منذ 2022.
أوضح غرانت ويبستر، الرئيس المشارك للديون السيادية والعملات في الأسواق الناشئة لدى شركة "ناينتي ون" (Ninety One): "الرهان المثير للاهتمام هنا يتمحور حول أسعار الفائدة. مع توقعات نمو ضعيف خلال الفترة المقبلة، سيكون لدى البنوك المركزية في الأسواق الناشئة مساحة أكبر بكثير لتيسير السياسة النقدية".
يُعد هذا الرهان مثالاً جديداً على سبل حفاظ بعض أصول الأسواق الناشئة على تماسكها وسط التقلبات التي قوضت المحافظ الاستثمارية خلال الأسابيع الأخيرة. بينما محا مؤشر "إم إس سي آي إي إم" (MSCI EM) لأسهم الأسواق الناشئة مكاسبه منذ بداية العام يوم الإثنين مع انتشار الصدمات الناتجة عن التعريفات الجمركية، فإنه ما زال يتفوق مقارنة بانخفاض نسبته 14% في مؤشر "إس أند بي 500". في الوقت نفسه، صعد مؤشر عملات الأسواق الناشئة 1.7% منذ بداية 2025، في حين تراجع الدولار الأميركي 3.5%.
نظراً للتقلبات الحادة في الأسواق العالمية، قال مديرو الأموال إنهم يقيدون رهاناتهم على العملات المحلية في عدد مختار من الدول، وسيسارعون إلى تقليص خسائرهم في حال لم تؤت هذه الرهانات ثمارها.
الدولار الأمريكي
من العوامل الرئيسية التي يُتوقع أن تؤثر على هذه الاستراتيجية مسار الدولار الأميركي، والذي لامس لفترة وجيزة أدنى مستوى له منذ أكتوبر مقابل سلة من العملات الأسبوع الماضي، وسط مخاوف من أن تسفر الحرب التجارية عن إضعاف النمو الأميركي. يُعزز تراجع الدولار الأميركي الربحية بالنسبة للمستثمرين الأميركيين في الديون المقومة بالعملات المحلية، إذ تصبح عوائدهم أعلى عند تحويلها مجدداً إلى الدولار الأميركي عند جنيها نقداً.
قال ويبستر من شركة "ناينتي ون": "كنا نعتمد منذ فترة على العوائد المرتفعة في الأسواق الناشئة، لكن قوة الدولار الأميركي كانت تمثل العائق الرئيسي. كل ما كان مطلوباً هو حدث يتسبب في تغير الموقف، وأعتقد أن الرسوم الجمركية كانت تلك الحدث".
من جانبه، قال عارف جوشي، الرئيس المشارك لقسم ديون الأسواق الناشئة في "لاذارد أسيت مانجمنت" (Lazard Asset Management)، إن التوقعات بانخفاض الدولار الأميركي تعزز جاذبية السندات المقومة بالعملة المحلية في بعض الدول. وأشار إلى أن ضعف الدولار الاميركي قلص المخاوف المتعلقة بظاهرة الدولرة في تركيا، في إشارة إلى الميل المستمر منذ أمد بعيد لدى المواطنين لتحويل مدخراتهم من العملة المحلية إلى الدولار الأميركي، كوسيلة لحمايتها من التضخم المزمن.
وأوضح جوشي أن "ذلك يعني أن البنك المركزي التركي أصبح لديه مجال أكبر للعودة إلى دورة التيسير النقدي خلال الصيف".
السندات الحكومية
بلغت عوائد السندات الحكومية التركية لأجل 10 سنوات نحو 32% الجمعة الماضية. كما أعرب جوشي عن تفاؤله حيال الديون المحلية في كل من البرازيل والمكسيك، حيث تتراوح العوائد على السندات لأجل 10 سنوات بين نحو 15% و9% على التوالي.
في السياق ذاته، يفضل أندرس فيرغمان، الرئيس المشارك لقسم الدخل الثابت في الأسواق الناشئة العالمية في "باينبريدج إنفستمنتس" (Pinebridge Investments)، الاستثمار في السندات المحلية المكسيكية المعروفة باسم "إمبونوس" (Mbonos). قال إن هذه السندات يمكن أن تحقق أداءً جيداً في ظل وجود "مساحة أمام بنك المكسيك المركزي لمزيد من التيسير في سياسته النقدية".
سجلت عوائد السندات المكسيكية لأجل 10 سنوات أدنى مستوى لها منذ 2023 الجمعة الماضية.
أما إريك فاين، رئيس قسم ديون الأسواق الناشئة النشطة في شركة "فان إيك أسوسيتس" (VanEck Associates)، ذكر أن احتمالات تباطؤ النمو في الولايات المتحدة الأميركية مقارنة ببقية دول العالم "تُعد إشارة قوية لصالح أصول الأسواق الناشئة المقومة بالعملة المحلية". وعبر عن تفاؤله تجاه السندات المحلية في دول مثل كولومبيا وتشيلي.
تعرض المستثمرون لخيبة أمل في السابق من تداول السندات المقومة بالعملات المحلية، كما لم تتحقق التوقعات المتكررة بحدوث تحول حاسم في أداء هذه الفئة من الأصول.
الاقتصاد العالمي
هذه المرة، قد يتوقف مصير هذا الرهان على مدى سوء الأوضاع الاقتصادية العالمية. فحدوث تباطؤ كبير في الاقتصاد الأميركي قد يحد من شهية المخاطرة عالمياً، ويدفع المستثمرين إلى الخروج من الأصول عالية المخاطر مثل الأسواق الناشئة. كما أن سيناريو تحسن أداء الاقتصاد الأميركي بشكل يفوق التوقعات، أو تخفيف البيت الأبيض لسياساته المتعلقة بالرسوم الجمركية، يمكن أن يُقلب هذه الاستراتيجية رأساً على عقب.
الردود الانتقامية من دول أخرى قد تحيط التوقعات بحالة من الضبابية أيضاً. تراجع مؤشر عملات الأسواق الناشئة وارتفع الدولار الأميركي الجمعة الماضية، بعدما أعلنت الصين أنها ستفرض رسوماً جمركية 34% على جميع الواردات الأميركية بدءاً من 10 أبريل الجاري.
لكن في الوقت الحالي، ما يزال المؤيدون لهذا الرهان -من بينهم تينا فاندرستيل، رئيسة قسم ديون الدول الناشئة في شركة "غرانثام مايو فان أوتيرلو أند كو" (Grantham Mayo Van Otterloo & Co)- يعولون عليه باعتباره ملاذاً مؤقتاً على الأقل.
اختتمت فاندرستيل: "ستكون مفارقة أن تتحول الديون المحلية في الأسواق الناشئة إلى أصول شبه آمنة لا تحظى بالاهتمام الكافي وسط كل هذه الأوضاع".