رحلة رؤية 2030 في أقل من عشر سنوات

ترتبط رؤية السعودية بمرحلة تاريخية مهمة، فهي تأتي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ورسمها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وانطلقت عام 2016 في معطيات اقتصادية كثيرة.
فهي وإن كانت تمثل تطويرا كاملا لمنهج التخطيط في المملكة وتحولا من الخطط الخمسية إلى مناهج البرامج طويلة الأمد، وفق رؤية مركزية إلا أنها كانت في جوهرها استشرافا للتحديات الهائلة التي ستواجه الاقتصاد العالمي بنهاية العقد الثاني من القرن الحالي وبدايات العقد الثالث، وهي تحديات لم تكن لتأتي في حسبان أحد ممن ينهجون الأساليب التقليدية، ولو أن الاقتصاد السعودي بقي رهنا للأساليب تلك لكان الحال مأساويا في أقل تقدير.

ففي وقت كانت المملكة تعتمد على اقتصادي أحادي الدخل من النفط كانت البطالة تصل إلى أكثر من 15% في المستوى العام تجاوزت 34% بين النساء، كانت قوائم الانتظار في الإسكان طويلة ولفترات تصل لعقدين من الزمان بلا حل واضح في الأفق، كانت أعداد الزائرين للحرمين لا تتعدى الثلاثة ملايين في وهناك قيود للزيارة، كل ذلك كان سيشكل ضغطا هائلا على الميزانية التي ستتقيد بشكل كبير نظرا لمحدودية الإيرادات مما يحد من النمو الاقتصادي على المدى الطويل وستتفاقم هذه الأرقام لمستويات قد تكون كارثية، وستضغط على سعر الصرف بسبب تناقص الاحتياطيات الأجنبية.

ولو حلت أزمة كورونا في مثل هذه المعطيات وبكل ما سببته من مآسي فستكون الحكومة حينها مقيدة جدا ولن تتمكن من دعم أحد فضلا عن القيام بمهامها الأساسية، لقد كانت الرؤية 2030 إلهاما بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبفضل الله أولا ثم بفضل منهجيتها وصرامة تنفيذها التي قادها برنامج الاستدامة المالية استطاعت الحكومة السعودية تجاوز أزمة كورونا، بل أن تستضيف العالم في أول قمة تستخدم فيها تقنيات التواصل عن بعد.

واتخذت في تلك الاجتماعات التي ترأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان رعاه الله قرارات تاريخية لا يزال العالم أجمع يحمدها فقد انقذت الدول الأقل نموا من أعباء هائلة وقادت نحو خروج آمن من الأزمة التي طالت سلاسل الإمداد في كل مكان، لكن السعودية وبحكم مكامن القوة التي وهبها الله لهذه الأرض، وهي: العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، والموقع الإستراتيجي بين ثلاث قارات، استطاعت برؤيتها أن تستلهم الحل وإن تسير بهدوء عجيب وسط تلك العاصفة.

يكاد يمر اليوم على انطلاقة الرؤية عشرة أعوام شهدت نقلات حضارية مذهلة بكل معاني الكلمة، والسعودية اليوم ليست السعودية قبل عام 2016، لقد أطلقت الرؤية كوامن الإنتاج في الاقتصاد السعودي بدأ بزيادة تمكين المرأة، في ظل بيئة اجتماعية آمنة وانتقال سلس، بتطورات في هيكلة الحكومة انتهجت اللامركزية ببناء هيئات مراكز عمل أكثر تخصصية من نماذج الحكومات المركزية المستندة على وزرات معقدة كثيرة الاختصاصات ومتداخلة.

لقد تم تطوير مركز الحكومة ليقود العمل وفقا للأسس الاقتصادية والسياسية السعودية المتينة مع إطلاق كوامن الابداع التخصصية، وهذا أثمر تنوعا في الأنظمة والتشريعات لعل أبرزها نظام المعاملات المدنية، ونظام الإثبات، ونظام الأحوال الشخصية، ونظام الشركات ونظام الجامعات ونظام المنافسات والمشتريات الحكومية ونظام المحتوى المحلي وغيرها كثير أسهمت في بناء تشريعي حديث ومتطور عزز النمو الاقتصاد وفقا للنظرية المؤسساتية.

لقد قادت مشاريع الرؤية التي توزعت حول برامجها مكامن جديدة للاقتصاد السعودي، فالقدية ونيوم والبحر الأحمر والعلا، وسنداله، وتورجينا، وكورال بلوم، وقمم السودة تشكل في مجملها مشروع سياحي عملاق يستنهض الهمم ويعزز تنويع الاقتصادي السعودي بعيدا عن النفط ومشتقاته.

وتأتي مشاريع مثل حديثة الملك سلمان، والوادي، وبوابة الدرعية، والمسار الرياضي، المربع الجديد، ورؤى المدينة، ومسار مكة، ومشوع ذا لاين، ومشروع وسط جده، ومدينة محمد بن سلمان غير الربحية، و الرياض آرت لتشكل تحولا في أنماط المعيشة السعودية نحو تحقيق أفضل جودة للحياة في معطيات حضارية جديدة بأصالة ذات عمق، وتأتي مشاريع أوكساجون وصنع في السعودية وبرامج الجينوم، وبرنامج شريك، و المناطق الاقتصادية الخاصة، ومدينة الملك سلمان للطاقة، وغيرها لتشكل دعائم صناعية ومحركات نمو هائلة.

واليوم وبعد قريب من عشر سنوات من عمر الرؤية، نجد أكثر من 13 مليون زائر للحرمين وأمان وفي توسعة تاريخية، وأكثر من 63% من الأسر السعودية يمتلكون سكن، وارتفع متوسط العمر المتوقع بإذن الله إلى أكثر من 78 عاما، وارتفعت نسبة الأشخاص الذين يمارسون الرياضة إلى أكثر من 62%، واقترب الناتج المحلي غير النفطي من ترليوني ريال.

وحصة المحتوى المحلي غير النفطي تجاوزن 55%، ونظرا لهذه المنجزات تم إنهاء برنامج الاستدامة المالية، كأحد أول برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، بعد أن استكمل تنفيذ خطته التي ضمنت استمرارية التقدم والإنجاز، وساهم في وضع أسس الاستدامة المالية في مختلف القطاعات الرئيسة.

واليوم نقولها بصدق لو لم تكن الرؤية موجودة وبعد عون الله جل وعلا توفيقه، لكنا في وضع أشبه بالكارثة الاقتصادية وخاصة مع أزمة التعريفات الجمركية التي تأتي بعد أزمة التضخم العالمية وارتفاع الفائدة التي جاءت بعد كورونا ومشكلات سلاسل الإمداد، كيف للاقتصاد السعودي أن ينجو من هذه المعضلات المتتابعة وفي منطقة جيوسياسية معقدة ومضطربة وننعم بكل هذا لاستقرار بحمد الله، نسأل الله التوفيق لكل برامج الرؤية للنعم بحضور الرياض اكسبو 2030، ونحتفل بالفوز بكأس العالم في 2036 وفي الرياض دوما بإذن الله.             

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي