كيف استغلت السعودية موقعها الجغرافي لتعزيز منظومة خدماتها اللوجستية؟
قبل أكثر من ثمانية عقود، شكل افتتاح ميناء "رأس تنورة" اللبنة الأولى للشبكة اللوجستية السعودية، واليوم، باتت السعودية الأولى إقليميا من حيث حجم الحمولة الطنيّة التجارية لعام 2024 وصاحبة المركز 20 عالميا.
استفادت السعودية من موقعها الجغرافي الرابط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا لزيادة تنافسيتها في القطاع، الذي يعتمد على تسهيل حركة التجارة حول العالم.
وارتقت من المرتبة 55 عالميا في عام 2018 على مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي، لتحتل المرتبة 38 في عام 2022، وتكون قد اقتربت من بلوغ المرتبة 25، المستهدفة في رؤية 2030.
ارتفعت مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 51% العام الماضي، وهو أعلى مستوى تاريخي لمساهمتها في الاقتصاد. كما نمت الصادرات غير النفطية السلعية، شاملة إعادة التصدير إلى 307.4 مليار ريال العام الماضي.
صعود السعودية إلى مرتبة مرتفعة على المؤشر العالمي، جاء مدفوعا بتقدم ملحوظ في أغلب الجوانب الفرعية للمؤشر بما يزيد على 10%؛ يشمل ذلك جودة البنية التحتية، وسهولة الإجراءات الجمركية وسرعتها، وتطور آليات تتبع الشحنات، وتقليص تكلفة الخدمات اللوجستية، وتقليص مدة تسليم الشحنات، وتحسن كفاءة الاستجابة لاحتياجات السوق.
فكيف تمكن البلد المترامي الأطراف من استغلال هذا الموقع الجغرافي المتميز؟ وكيف كان المسار إلى ما تحقق؟
بوصلة التقدم
بينما كان الموقع الجغرافي أحد أهم الركائز التي انطلقت منها رحلة تمكين السعودية من ربط الخطوط التجارية والملاحية، والتحول إلى منطقة لوجستية عالمية لخدمة أسواق الشرق الأوسط وشمال وغرب أفريقيا، فقد كانت رؤية 2030 البوصلة التي حركت هذا القطاع في الاتجاه الصحيح.
انطلقت الجهات التنفيذية من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، أحد برامج الرؤية، وعملت بشكل تكاملي على تطوير قطاع الخدمات اللوجستية، سعيا لتسهيل الوصول إلى الأسواق المحلية والعالمية والمساهمة في جذب الاستثمارات إلى السعودية.
خطت السعودية خطى سريعة على طريق التحول إلى مركز لوجستي، تكللت بفوزها بعضوية منتدى النقل الدولي (ITF)؛ وحصول الهيئة العامة للموانئ على جائزة أفضل مساهمة في تطوير البنية التحتية الاقتصادية ضمن جوائز "إنترناشيونال فاينانس المالية".
مسار سريع
في عام 2017، أي بعد سنة واحدة من انطلاق رؤية 2030، بدأ تشغيل المرحلة الثانية من سكة قطار الشمال، الخاصة بنقل الركاب، وفي العام التالي، تأسست شركة خدمات الملاحة الجوية السعودية، قبل أن تنطلق أولى رحلات قطار الحرمين السريع في عام 2019.
على الرغم من جائحة كورونا، التي ضربت العالم عام 2020، مضت السعودية في طريقها نحو تحقيق مستهدفات الرؤية، في ذلك العام، أُطلق أول خط ملاحي يربط السعودية بدول شرق أفريقيا، كما أُطلق خط ملاحي جديد بين ميناء الجبيل التجاري ودول شرق آسيا، ووجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتطوير محاور الطرق الدائرية والرئيسية لمدينة الرياض.
في العام التالي، أُطلق خط شحن ملاحي جديد يربط ميناء جدة الإسلامي بشمال أوروبا والبحر المتوسط والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وشمال أفريقيا وجرى ضم الخدمات اللوجستية لوزارة النقل، ليصبح اسمها وزارة النقل والخدمات اللوجستية.
أيضا، أُطلقت الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية وبرنامج الربط الجوي، وفازت السعودية بعضوية مجلس المنظمة البحرية الدولية (IMO) للفترة 2022-2023.
في عام 2023، تأسست شركة طيران الرياض، وأضيفت 28 خدمة ملاحية جديدة، كما افتتحت منطقة لوجستية جديدة بميناء جدة الإسلامي، ووقعت السعودية مع دول العالم على إنشاء ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
أنشئت العام الماضي منطقة لوجستية جديدة في ميناء جدة الإسلامي، كما أضيفت 34 خدمة شحن ملاحية جديدة في كل من ميناء جدة الإسلامي وميناء الملك عبد العزيز في الدمام وميناء الجبيل التجاري، واعتُمد المخطط العام للمنطقة اللوجستية المتكاملة لمطار الملك سلمان.
استثمارات ضخمة في الموانئ
من أجل تعزيز مكانتها الريادية في قطاع الخدمات اللوجستية، ضخت السعودية استثمارات هائلة في مشروعات الموانئ وخطوط النقل الجوي وشبكة السكك الحديدية.
افتتحت المملكة أكبر استثمار لوجستي لشركة "ميرسك" العالمية في ميناء جدة الإسلامي، بقيمة تتجاوز 1.3 مليار ريال، وضخت استثمارات في مشاريع تطوير وتشغيل محطات الحاويات والمراكز اللوجستية، فضلا عن المشاريع الإستراتيجية في ميناء الجبيل التجاري والصناعي لزيادة القدرة الاستيعابية، وإضافة خدمات ملاحية جديدة.
وتمتلك السعودية حاليا أكبر ميناء في الشرق الأوسط من حيث عدد الشحنات الكهربائية، وهو ميناء الملك عبد العزيز في الدمام، حيث يضم 80 شاحنة كهربائية تزيد القدرات التشغيلية وتعزز مبادئ الاستدامة.
نمو مطرد للنقل الجوي
رسمت السعودية مسارا نحو مستقبل النقل الجوي عبر إطلاق الإستراتيجية الوطنية للطيران وبرنامج الربط الجوي، فنما عدد المسافرين عبر مطارات السعودية إلى 128 مليون مسافر العام الماضي، مقارنة مع 85 مليونا في عام إطلاق الرؤية.
وبينما سجل حجم الشحن الجوي قفزة في العام الماضي إلى 1.2 مليون طن متري، مقارنة مع 918 ألف طن في العام السابق عليه، فقد نما عدد الرحلات عبر مطارات السعودية بقوة ليسجل 905 آلاف رحلة.
شهدت المسيرة افتتاح وتطوير وتوسعة مطار الأحساء الدولي، وتدشين صالة السفر الدولية الإضافية في مطار الطائف الدولي، فضلا عن إطلاق تجربة التاكسي الجوي ذاتي القيادة لأول مرة في موسم الحج، ومنح أول تصريح تشغيلي لتنظيف المباني باستخدام الطائرات بدون طيار.
اعتمد مجلس المطارات الدولية لتجربة العميل 16 مطارا سعوديا العام الماضي، كما اختير مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي في المدينة المنورة كأفضل مطار إقليمي في الشرق الأوسط وفقا لتقييم منظمة "سكاي تراكس" العالمية.
القطارات.. شبكة حديثة ونمو كبير
أطلقت السعودية شبكة حديثة للسكك الحديدية، ومن بين أكبر المشروعات قطار الرياض، الذي يستوعب 3.6 مليون راكب يوميا، بالإضافة إلى قطار الحرمين، ومشروع قطار الشمال.
أسهمت شبكة القطارات هذه في تعزيز ربط مناطق المملكة ببعضها البعض، وشكلت جزءا أصيلا من أدوات تحول السعودية إلى مركز لوجستي عالمي ومسرّع لحركة التجارة في الداخل وعلى المستوى العالمي.
سجل عدد ركاب خطوط السكك الحديدية السعودية نموا بلغ 22% العام الماضي مقارنة مع عام 2023، ليبلغ 13 مليون راكب. وزاد حجم الشحن عبر السكك الحديدية إلى 28 مليون طن.
كانت المملكة قد أنشأت أول خط للسكك الحديدية في الفترة من عام 1947 إلى عام 1951 لربط مدينة الرياض بميناء الدمام.