الجيولوجي الأمريكي بارغر .. وقصة أول حادث سيارة في السعودية
توماس سي بارغر مهندس جيولوجي أمريكي شاب، عمل في المملكة العربية السعودية التي لم يكن يعرف أين تقع، لكنه بعد أن عرفها وعرف شعبها، أحبها وأحبهم وعاش في السعودية 32 عاما، كان يعمل فيها في مجال البترول.. عمل توماس بارغر لست سنوات في التنقيب على الذهب، ومهندس تنقيب في الدائرة القطبية، وأستاذ معادن في جامعة داكوتا الشمالية، ثم بعد ذلك عمل في وظيفة جيولوجي مع شركة ستاندرأويل أوف كاليفورنيا، ووصل إلى الظهران عام 1937، وبدأ عمله، وكتب رسالته الأولى في 15 كانون الأول 1937، إلى زوجته كاثلين التي لحقته فيما بعد إلى السعودية.
#2#
أقام بارغر في السعودية 32 سنة كتب خلالها رسائل كثيرة إلى زوجته ووالديه ووالديها، كما دون معلومات غزيرة والتقط مئات الصور المهمة.. وفي عام 1983 اتفق مع ابنه تيموثيبارغر على تدوين مذكراته، وبعد البدء بهذا المشروع فترت عزيمة توم بارغر، فاقترح عليه ابنه أن ينقل ويجمع تلك الرسائل التي كتبها، وبمساعدة سكرتيرة والده تم ذلك في ربيع 1984م، وأطلقوا على الكتاب اسم "تحت القبة الزرقاء".
وتعتبر هذه الرسائل وثائق مهمة عن بعض مناطق السعودية، واستكشافها، وأسماء بعض مواقعها، وطريقة حياة أهلها، كما تحدث فيها عن الظروف التي عرفته على الأدلاء والجنود، والجيولوجيين والمهندسين.. ذلك الرعيل الذي اكتشف أعظم آبار النفط في العالم. ولا شك أن هذا الكتاب يحكي جزءا من قصة اكتشاف النفط في السعودية.
#3#
توفي توم عام 1986، ولم يطبع الكتاب، لكن أمام الإلحاح المتواصل من أصدقاء توم ومن القراء طبع تيموثي الكتاب باللغة الإنجليزية، ثم عرّبه ريمون باليكي ليصدر عام 2004م، عن دار برزان للنشر.
البدوي الذي يعرف الصحراء
يتحدث توماس بارغر في رسائله عن علاقة عميقة وقوية جمعته بالجيولوجي ماكس ستيانكه والدليل البدوي الشهير خميس بن رمثان، فيقول "بعد أكثر من 40 عاما، ما زلت مندهشا أنني خلال الشهر الأول، قابلت وصادقت أكثر رجلين مميزين في حياتي.
ماكس ستاينكه، وخميس بن رمثان. على الرغم أنهما ولدا في جهتين متناقضتين من الأرض مع كل الاختلافات الطبيعية، الأول كبير وصاخب، والآخر نحيل وخجول وقامته معتدلة. كانا جوهريا مفصلين من القماش نفسه.
#4#
رجلان نشيطان وذكيان، لا يتذمران عندما يتعرضان للمشقات الجسدية، للرياح الباردة، للطعام القليل والماء المالح العكر، لا يأتيان على ذكره إلا إذا كانت مناسبة لفكاهة جديدة.. في الصحراء لا يتوه خميس أبدا. لأنه، إضافة إلى حاسته السادسة، وهي نوع من البوصلة الدفينة التي لا تخطئ، كانت لديه ذاكرة مدهشة تمكنه من تذكر دغلة كان قد مر بها وهو شاب، أو اتجاه موقع بئر، سمع عنه قبل عشر سنوات".
في الرياض
حين وصل المؤلف إلى الرياض في 20 أيلول 1938م، كتب لزوجته كاثلين "أرسل لك تحياتي من عاصمة العربية السعودية والمدينة الرئيسة في نجد، ومن خيمة إلى شمالي قصر الملك. إذا وصلتك هذه الرسالة تكونين قد تسلمت رسالة من الرياض. لقد مر من هنا أقل من أربع درزينات من الأوروبيين، ولا أظن أن كثيرين أرسلوا رسائل إلى الخارج.. تقع الرياض في واد اسمه وادي حنيفة وتضم بساتين نخيل كثيرة ترويها مياه تحملها الحمير من بئر بعمق 100 قدم، وبينما يسير الحمار على منحدر من البئر وهو يسحب كيسا من جلد الماعز مليئا بالماء إلى فوهة البئر.. يفرغ الكيس هناك تلقائيا في حوض، ويعود الحيوان أدراجه على المنحدر وينزل جلد الماعز لحمولة أخرى، يعمل عادة أربعة إلى ستة جمال أو حمير بقيادة صبي صغير.. تروي هذه المياه محصولين رئيسيين النخيل والبرسيم. ويُسمع صرير كرات السحب "يقصد بكرات السواني" طوال الليل وهي تشبه صفارات مصانع بعيدة".
عن المؤسس
وصف المؤلف وصول موكب الملك عبدالعزيز إلى منطقة مجاورة لمخيمهم في شمال شرق السعودية، وكان في طريقه لتدشين أول شحنة بترول من رأس تنورة مصب خط البترول الجديد، فيقول "ترجلنا على بعد 50 ياردة من خيمة الاستقبال الملكية الكبيرة.
#5#
استقبلنا الشيخ يوسف ياسين الذي يتكلم الإنجليزية بالمستوى الذي أتكلم بهه العربية، اصطحبنا معنا حسن الجشي الذي يحمل إشارة المساحة، وهو يتكلم الإنجليزية بصفته مترجما أيضا، كان علي أن أقول عدة كلمات بالعربية أمام الملك الذي ابتسم، وقال: ما شاء الله، وهذا تعبير استحسان وإعجاب".
ثم يذكر المؤلف أن الملك عبدالعزيز اهتم بجهاز الاتصال الخاص بالبعثة، وزار مخيم البعثة للاطلاع عليه، فيقول "وعند زيارته مخيمنا أعطيت الملك جهاز الاتصال. طلب الملك الاتصال بوزيره عبدالله السليمان في أبو حدرية، كان علينا الاتصال بالظهران أولا ليتم التحويل على أبو حدرية، كان هناك حرج بالغ مع انقطاع الاتصال، ولكن في الأخير جاء صوت الشيخ عبدالله يسأل الملك إذا كان يريد شيئا، أجاب الملك: كلا، ولكن أردت معرفة طريقة عمل هذا الجهاز، لقد تعلم الملك كيفية عمل الجهاز بالمفتاح وبدا مسرورا. اصطحبنا الملك لنريه ميزان الجاذبية، تسلق الشاحنة بجهد وألقى نظرة على شاشة المجهر، كان الملك بطول قامتي ولكن بنيته أقوى من بنيتي، وبينما كان الملك ينزل من الشاحنة سأل ولي العهد سعود إذا كان يريد أن يلقي نظرة، ضحك سعود وقال: لست مهندسا". ومن الواضح إعجاب المؤلف بشخصية الملك عبدالعزيز، إذ يقول إن "شخصيته أقوى من سيفه"، كما أثنى في مواضع أخرى على بساطته وتواضعه مع هيبته الكبيرة.
رأيه في البادية
يبدي المؤلف إعجابه بحياة البدو القاسية، وكان كثيرا ما يقابلهم، خصوصا عند آبار المياه، كما عمل بعض منهم معه كخميس بن رمثان وغيره، ويقول عن طرق حياتهم "هناك نوع من الحياة الصوفية في طريقة الحياة البدوية، لكنها حياة قاسية يعيشها رجال أشداء مستعدون دائما لأن يكونوا بدون رحمة إذا شعروا بأنهم مهددون. لقد فرضت عليهم هذه البيئة التي لا ترحم طريقة العيش هذه".
#6#
صور نادرة
التقط بارغر خلال وجوده في السعودية مئات وربما آلاف الصور، بعضها في غاية الندرة والأهمية، وقد ضمن كتابه "تحت القبة الزرقاء" عشرات منها، ويشاهد القارئ الكريم عددا من هذه الصور.
أول حادث سيارة
التقط بارغر أيضا صورة لأول حادث سيارة يشاهده في السعودية، وكتب معلقا على الصورة "أول حادث خطير، ولسوء الحظ ليس الأخير، أشاهده في السعودية".