توزيع المهام على فريق العمل
افترض أنك تعمل ضمن فريق مهمته تصنيع لعبة خشبية بشكل يدوي، ويتطلب منك ذلك القيام بتشكيل بعض الأجزاء من الصفر، ومن ثم تركيبها مع بعضها البعض لإنهاء المجسم النهائي للعبة. كيف سيكون بمقدورك تقسيم العمل وتوزيع المهام على أعضاء الفريق؟
على الأرجح سيكون خيارك الأول إن كانت طريقة تفكيرك مشابهة لأغلبية الناس، توكيل مهمة صنع كل جزء من أجزاء المجسم إلى أحد أعضاء فريق العمل. ويعرف مثل هذا الأسلوب في العمل بـ "العمل بالقطعة"، على اعتبار أنه يركز على عمل كل قطعة على حدة، أو إيجاد أجزاء وسيطة، يتم تركيبها فيما بعد لصنع المجسم النهائي. وثمة نهج آخر في العمل، يقوم على تقسيم العمل بحسب الأنشطة أو المهام، على سبيل المثال، مهمة التقطيع، والتلوين والتلميع. وسيكون من الصعب الحكم على أسلوبي العمل أعلاه من دون النظر في جميع تفاصيل المشروع، كالعدد النهائي للقطع الجاهزة المطلوبة، أو المهارات المطلوبة لعمل أجزاء مختلفة. ولكن بالتأكيد، من غير المرجح أن يكون أسلوب العمل بالقطعة هو الخيار الأفضل على الدوام. غير أن الميل إلى اختيار هذا الأسلوب بغض النظر عن المهام المطلوبة قد يكون فعالا إلى حد كبير. تعد هذه المسألة ذات صلة عند الافتقار للخبرة المطلوبة عند التخطيط لمشروع جديد. ففي ورقة بحث انتهيت منها أخيرا وشاركني فيها كل من مارلو رافيندران من جامعة كاليفورنيا، وريفرسايد، وماسيمووارجلين من جامعة كا فوسكاري فينيسيا بعنوان "التركيز على الأجزاء في تقسيم العمل: الأدلة التجريبية" (تصدر قريبا في العلوم الإدارية)، وجدنا أن فرق العمل لديها ميل واضح لاستخدام أسلوب العمل بالقطعة عوضا عن تقسيم العمل بحسب الأنشطة والمهام، أكثر منه لدى الأفراد. ومثل هذا التوجه قد يتسبب في فشل المشاريع في بعض الأحيان.
الموضوعية في اختيار أسلوب العمل
سألنا 80 طالبا في جامعة العلوم والتكنولوجيا - جماعات وأفراد على حد سواء – عن الطريقة التي سيتبعونها لتجميع نماذج لعبة بالاعتماد على رسوم بيانية إرشادية، على أن يحظى الشخص الذي يعطي إجابات صحيحة وكاملة على مكافأة مالية. منحنا الطلاب في تجارب المجموعات خمس دقائق لوضع الخطة التي سيتبعونها، و 45 دقيقة أخرى لتجميع النماذج بشكل فعلي. من جهة أخرى، لم يكن على المشاركين في التجارب الفردية القيام بالعمل بأنفسهم، ولكن بدلا من ذلك كان عليهم تحديد عدد الأشخاص اللازم توظيفهم للقيام بالعمل بشكل افتراضي، وماهية المهام التي سيوكلونها لكل منهم. كما تم إعطاء المشاركين نموذجين مختلفين للعبة على التوالي لمحاكاة التباين في المشروع: النموذج الأول مصنوع من أجزاء بإمكانهم تركيبها بأنفسهم وتجميعها في وقت لاحق، أما الآخر مترابط مع بعضه البعض بشكل أكبر. وكان جليا أنه من المنطقي استخدام أسلوب العمل بالقطعة في الحالة الأولى، وأسلوب توزيع العمل بحسب الأنشطة في الحالة الثانية. ولكن أظهر كل من المجموعات والأفراد اهتماما أكبر نحو استخدام أسلوب العمل بالقطعة في كلتا الحالتين، بغض النظر عن ماهية المشروع. ليس من المستغرب في مرحلة التركيب أن أداء بعض المجموعات التي قسمت العمل بحسب الأنشطة، كان أفضل بمقدار الضعف عن المجموعات التي انتهجت أسلوب العمل بالقطعة.
ديناميكية الفريق
لوحظ عند الأفراد ميل أقل لاستخدام أسلوب العمل بالقطعة عند توزيع المهام مقارنة بالمجموعات. وأظهر أولئك الذين قاموا بتقسيم المهام وتوزيعها بحسب الأنشطة اهتماما متساويا بين أسلوبي العمل. في حين تركز اهتمام المجموعات خلال جميع مراحل التجربة على انتهاج أسلوب العمل بالقطعة بشكل أكبر من الأفراد.
كما أظهرت التجارب أيضا أن المجموعات تأخذ وقتا قليلا (أقل من ساعة) لوضع أنماط عمل مألوفة بغض النظر عن متطلبات العمل في المشروع. كما وجدنا في المهمة الثانية أن نقاشات جميع الفرق ركزت خلال مرحلة التخطيط على الحفاظ على البنية التنظيمية التي سبق أن وضعتها في المهمة الأولى. بطبيعة الحال، ليس جديدا أن تميل المجموعات لأن تكون مخلوقات مجتمعية في العمل، تعير أهمية أكبر لتحقيق التناغم بين أعضاء الفريق على حساب الأداء. ولكن نتيجة لذلك قد تنجذب لانتهاج أسلوب العمل بالقطعة، الذي يخول أعضاء الفريق المزيد من السيطرة على أنماط العمل المتبعة. فعند وجود مهام ينبغي توزيعها من الأسهل الحفاظ على هيكلية ثابتة لمجموعات فرعية، بهدف الحفاظ على أنماط سابقة من العمل سواء بشكل جماعي أو مستقل.
تمكين الفريق
وجدنا أنه ليس بالضرورة أن ينعكس الانسجام ضمن فريق العمل على أدائهم. فعند العمل على مشاريع جديدة من المستحسن أن يقوم المديرون بتذكير فريقهم بضرورة الأخذ بعين الاعتبار جميع الاختيارات المطروحة عند تقسيم المهام، حيث أن حمل الأشخاص على الاستعانة بالخبرات السابقة لا يتطلب الكثير. هذا وقد وجدنا عند استكمال التجربة، أنه ببساطة كان كافيا إضافة شرح من سطر واحد على المهام، وذلك لجذب اهتمام الأشخاص نحو أسلوب العمل بحسب الأنشطة والمهام.
فعليا لا أحد يرغب في أن ينظر إليه على أنه مدير يهتم بأدق التفاصيل في العمل. ولكن تفترض الدراسة ضمنيا أنه سيكون لزاما على القياديين الاهتمام بطريقة أداء الفريق المهام المطلوبة، وليس التركيز فقط على إنجازها. فقط تكون هناك مشكلة عندما يعمل فريق عنده خبرة على مشروع جديد، وذلك بسبب الميل إلى تقسيم المهام بحسب أسلوب العمل بالقطعة، وقد يكون إعطاء مسؤولية توزيع المهام لشخص مركزي لا يشارك فريق العمل خبراتهم السابقة، حلا لتجنب ذلك.
الاختيار الأمثل للمؤسسات
نرى الاختيار بين أسلوب العمل بالقطعة وأسلوب توزيع العمل بحسب الأنشطة على مختلف المستويات في المؤسسات، وليس فقط على مستوى الفرق. على سبيل المثال: تحديد الهيكلية التنظيمية للمؤسسة سواء بحسب الوظيفة (مبيعات، بحوث وتطوير، تصنيع،...إلخ)، أو بحسب القطاع (وحدات الأجهزة المنزلية، أجهزة التلفاز). لا يعني ذلك أن هناك طريقة أفضل من الأخرى لتوزيع المهام، فلكل منها مزاياها. فالهيكلية بحسب الأنشطة تحقق مقياسا اقتصاديا وخبرة، تخولها الوصول إلى درجة عالية من التخصص، في حين أن التركيز على المنتج أو الخدمة من شأنه إحكام عملية التكامل بين جميع الأنشطة ذات الصلة ببعضها. فإذا كنت محكوما بالوقت لطرح منتج مركب إلى السوق، قد يكون أسلوب العمل بالقطعة هو الأفضل. وفي المقابل إذا ما كنت تتطلع إلى زيادة النمو وخفض التكلفة في الوقت ذاته، يكون التحول إلى النهج القائم على الأنشطة هو الحل. ومن المهم أن يجيد القياديون كلا النهجين، وأن يبقوا الخيارات مطروحة أمامهم.