السيرك الروسي .. هل الحقوق محفوظة؟
بذلت أمانة بلدية الرياض هذا العام جهداً كبيراً في تحويل المدينة إلى مدينة "معيّدة" من شمالها إلى جنوبها ومن أقصى شرقها إلى غربها، سواء بعقود الأنوار أو بمواقع الاحتفالات التي يزخر بها كتيب برامج العيد في كل مكان. وشهدنا في الكتيب ومن تغطيات الصحف والفضائيات فعاليات جميلة متنوعة تشمل كل الفئات ولم تستثن الشباب وضمت أفكاراً جديدة كسباق سيارات الريموت كونترول وسباق مشي الأطفال والطيران الشراعي وغيرها من الأفكار الجميلة. وشهدت الرياض طفرة مسرحية من خلال تسع مسرحيات رجالية اثنتان منها مؤلفتاها كاتبات، ومسرحية نسائية واحدة واثنتان للأطفال ومهرجانات وألعاب نارية واحتفالات في الأسواق والمراكز وعروض سيرك وعروض شعبية وحرف وفنون وسينما أطفال وغيرها كثير. كل هذا جميل ولكن لا بد أن هذا الجهد الكبير واجهته صعوبات في التدقيق في قيمة ما يُجلب ويُستضاف أو يُتعاقد معه ليقدم عروضه في الرياض.
لم تتح لي فرصة الاستمتاع بما سبق ذكره في اليومين الأولين نظراً لأن بعض الفعاليات بعيدة عني حيث إنني لا أغامر بالخروج في شوارع الرياض التي تتحول شوارعها إلى مواقف سيارات من غير عيد فما بالك بنا في العيد، فأخذت أبحث عن أقرب فعالية إليّ وأنسبها وقتاً مع أطفالي. وإذ بي أجد أن الخيارات بدأت تضيق وتضيق ولا سيما أن غالبية الفعاليات الخاصة بالأطفال التي تنظمها الأمانة أو المراكز أو حتى مركز الحي تبدأ بعد العشاء، وهو توقيت خاص بأطفال السعودية الذين تتاح لهم الفرصة في الإجازات لأن يسهروا طويلاً وهو ما لا أحاول أن أقلده وإلا فإني سوف أبقى في جوقة الحضانة طيلة النهار والليل دون وقت أخلو فيه لنفسي. فكان الخيار الوحيد المتوافر الذي أدخل الحماسة إلى قلوبنا السيرك الروسي الذي يقدم عروضاً شمال هايبر بندة، ولاسيما أن طفليّ لم تسبق لهما فرصة مشاهدة سيرك، كما كان الحال مع أطفال أختي وابنة عمي، فشجعت زوجي والجميع على اغتنام هذه الفرصة الثمينة خاصة أن السيرك الروسي هو أبو السيرك وسمعته تطبق الآفاق فلا ينبغي أن نتردد. ووصلنا بعد المغرب مباشرة لمشاهدة عرض السادسة مساء، فكان الجو جميلاً في الهواء الطلق، والمنظمون يقومون بعملهم بإتقان، والمكان ليس مزدحماً وليس هناك من يتعرض لنا بخير أو شر، وهي نعمة. فقطعنا تذاكرنا التي شملت الصغير والكبير بعشرة ريالات ودخلنا إلى الخيمة بعد أن انقسمنا بين مدخل النساء ومدخل الرجال وقسّمنا الأطفال بيننا كذلك.
كانت الخيمة صغيرة أو متوسطة الحجم واعتبرت مقاسها مريحاً يجعلنا قريبين من المسرح، لكنها من غير تكييف صحراوي مما جعلنا نتصبب عرقاً, ونحمد الله أننا لم نختر عرض الساعة الرابعة عصراً,. فماذا شاهدنا؟
كان سيركاً بدائياً، ثلاثة أرباع عرضه لمهرجين لم يفلحوا في إضحاك أحد من الأطفال. لم يكن فيه إلا عرضان أكروباتيان فيهما حركات بهلوانية ذات صلة بالسيرك الفردي وأربعة رجال يتعامدون على ألواح. واستمر السيرك كله مدة 45 دقيقة فقط. لم تكن هناك أي مؤثرات صوتية أو ضوئية مما يرافق عادة عروض السيرك المعروفة، فكانت الحركات تسير بإيقاع صامت وبلا معنى, التي غالبها لا يحتاج إلى موسيقى ترقيصية وإنما تأثيرية.
كان هناك رجل من المنظمين يرتدي ثوباً وغترة من غير عقال يميل يسرة ويمنة عند كل مساهمة قريبة من المسرح، مهمته التعليق على ما نراه أمامنا من باب تشجيع الأطفال على التحمس والتفاعل على الرغم من أننا لم نكن نشاهد سرداً وإنما حركة. كان يعمل جاهدا على تحميس الأطفال بالتعليق ووصف المشاهد وجعل الأطفال يردون في صوت واحد بنعم أو بلا ولكن على ماذا؟ كان في غالب الأمر يستهزئ باللاعبين الروس مستغلاً جهلهم اللغة فيحمس الأطفال ضدهم، "هل تريدون أن نطرده، أن نمشيه ولا لا؟ خلاص، ربما نعطيه فرصة أخيرة ثم نطلب منه أن يضف أغراضه". كان أسوأ تعليق في نهاية عرض الرباعي من البهلوانيين الذين أنهوا عرضهم الصعب شيئاً ما بحركة إيقاعية جميلة وصفقوا مع الجمهور قوله:"نحن قلنا لهم تعالوا اعرضوا مش ارقصوا" ولم يحيهم أو يطلب أن يحييهم الجمهور رغم أنه كان العرض الختامي.
ومن أسوأ الفقرات التي تبناها المهرجون، كانت الطرق على الرأس بمطرقة يزيد حجمها بين كل ضربة وأخرى لتزداد شدة الخبطة. يبدو أن من أجاز وسمح بهذه الفقرة رأى أنها مضحكة! باختصار إن هذا المشهد الذي طال وانضم إليه المعلق يمكن أن يعطي الأطفال أفكاراً لا حصر لها من تقليدها ضد بعضهم بعضا. وجعلني هذا أبذل جهداً مضاعفاً طيلة مدة الفقرة في التوضيح لابني وأولاد أختي وصغار العائلة ممن يرافقني أن هؤلاء أشخاص غير جيدين "ومش شاطرين" طالما أني لا أستطيع أن أقلب القناة أو أغلق الشاشة كما أنني لن أستطيع الانسحاب والانصراف.
كانت العروض التي شاهدناها لا صلة لها بالسيرك الروسي ذي التاريخ العريق، (إن شاء الله ما تعترض علينا روسيا أو ترفع قضية تشويه سمعة). هي عروض أشبه وأقل مستوى ربما من بعض عروض الشوارع التي نراها في المناسبات في مدن العالم. فجلبناها بأرخص الأثمان ووضعناها في خيمة متواضعة وأطلقنا عليها اسم سيرك. على من نضحك؟ على هؤلاء الأطفال المساكين قليلي الخبرة ممن يتلهفون لأي خبرة جديدة؟
أما على مستوى تنظيم الدخول والخروج من الشارع الفرعي المقابل للموقع فقد كانت السيارات تمر به دون أي احترام للمشاة الذين لهم الأولوية في كل دول العالم في هذا النوع من الشوارع والمناسبات، ولا سيما أن الغالبية العظمى هم برفقة أطفال، لكن نظراً لتقاليد الشارع السعودي التي لا تحترم سيارة ولا مارة فلا تعليق، لكن تعليقي وملامي كان على رجال المرور الذين كانت تصطف سياراتهم أمام المدخل منهم من لم يترجل منها ومنهم المتسامر مع "خويه" تاركين مسألة تنظيم الشارع ومرور العائلات لذوق الناس.
هذا كان ثالث يوم العيد، وكل عام وأنتم بخير ثانية.