«أم تسع» و«عظيم ساري» و«هوها يا هوها» .. أشهر ألعاب السعوديين قديما
الحاجة أم الاختراع، وقديما لم يكن هناك من وسائل الترفيه ما هو متوافر اليوم، فلجأ الأطفال والشباب والبنات إلى ابتكار ألعاب للتسلية والترويح عن النفس، وللرياضة البدنية والذهنية. وتزخر الثقافة العربية بعديد من المنتجات الفنية والإبداعية الضاربة بجذورها في التراث العربي كالفنون الشعبية بأنواعها، ووسائل التسلية والترفيه السائدة قديما، وهي تعكس ملامح البيئة العربية وشيئا من خصائصها الاجتماعية. ومن خلال دراستنا للتراث تتكون لدينا فكرة عن طبيعة الحياة التي عاشها أجدادنا وتفاصيلها اليومية. وكانت الألعاب من أهم وسائل الترفيه، وقد ذكر مؤرخو العرب القدماء وأدباؤهم نماذج كثيرة لهذه الألعاب، وقام العلامة الكبير أحمد تيمور باشا بجمعها في كتاب سمّاه "لعب العرب"، وبعض هذه الألعاب ما زالت معروفة حتى الآن.
#2#
حديث اليوم عن بعض الألعاب الشهيرة في السعودية والخليج، وبعض دول العالم العربي، وقد استمددت الصور التوضيحية وجل المعلومات من موسوعة "الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية".
أم تسع:
لعبة شهيرة في السعودية ودول الخليج وبعض دول العالم العربي وغيرها لها عدة أسماء من بينها: أم عويدات، مقطار التسع، أم غريبيين، المقطار. وهي لعبة ثنائية يلعبها الصغار والكبار، وتتطلب اللعبة رسم ثلاثة مستطيلات أو مربعات بمقاسات مختلفة ويوضع كل مربع داخل الآخر، وهي ترسم على الأرض غالبا أو على ورقة ونحوها. تقطع أضلاع هذه المربعات من منتصفها بأربعة خطوط، يصل كل منها ما بين منتصف أحد أضلاع المربع الخارجي وما يقابله في المربع الداخلي، كما تتطلب ثماني عشرة قطعة من حجر صغير أو نوى أو ما شابهه لكل لاعب تسع قطع تختلف لونا أو حجما، كيلا تشتبه قطع اللاعب بالآخر. تبدأ اللعبة بالقرعة ويضع كل لاعب بالتناوب قطعة في زوايا المستطيلات أو تقاطع الخطوط، ويحاول كل لاعب أن يضع ثلاثا من قطعه على خط واحد حتى يفوز، في حين يحاول اللاعب الآخر أن يحول دون ذلك. وإذا تمكن اللاعب من صف ثلاث قطع على خط واحد أفقي أو رأسي يقول كلمة "ملطاخ" أو "مقطار" معلنا الفوز. وقد وجد الشيخ حمد الجاسر ـــ رحمه الله ـــ رقعة هذه اللعبة مرسومة على إحدى الصخور في جبال دوس، ورجح أنها لعبة "القرق" أو الخط المعروفة عند العرب منذ القدم.
أم الخطوط:
لعبة منتشرة تمارسها غالبا الفتيات الصغيرات وأحيانا الفتيان ولها مسميات عدة منها: العتبة، الشكة، الطجنة، بربر. ولهذه اللعبة عدة طرق، وتعتمد على رسم مستطيل على الأرض يقسم إلى عدة مستطيلات، وتبدأ اللعبة بإحضار قطعة من خشب أو حجر ونحو ذلك، ويرفع اللاعب إحدى رجليه، ويرتكز على الأخرى. وقد ذكر هذه اللعبة الشاعر عبد الله بن سبيل في مناقضته لمطوع نفي، حيث يقول:
مطوعٍ يا مال كشف المغطا
يأخذ على رقي المنابر شروطي
يشره على بنت وهي ما تغطى
تلعب مع الوغدان بأم الخطوطي
بيوت الرمل:
وهي من الألعاب المائية، تمارس في مواسم هطول الأمطار، أو على ضفاف الأودية، وأحيانا يقومون بسكب الماء على التراب لممارسة اللعبة ويقومون بتشييد القلاع والحصون متنافسين في الطول والحجم والتنسيق، وهي لعبة منتشرة في أغلب دول العالم ولها في السعودية والخليج مسميات عديدة من بينها: الخريفا، التحجية، الحجاوي، حصن سعود، البيوت. ويقول الشاعر المشهور حجاب بن نحيت متذكرا أيام طفولته وهو يلعب هذه اللعبة مع محبوبته:
ذكرتك ذيك الليالي يوم كنا قصرا
يوم الطفولة تغنينا مع لحونها
نبني ليا جا المطر بيوتنا من الثرى
وأهلي قبل ما ينادوني ينادونها
#3#
الحمام:
لعبة من العاب البنات تلعب بشكل جماعي، فتتحلق البنات على هيئة دائرة ويتماسكن بالأيدي ثم يبدأن القفز على أرجلهن بالتعاقب وهن واقفات بأماكنهن، فيقفزن ويتمايلن ويصففن رافعات أيديهن إلى السماء مرددات "يا ربنا جيبه" وينشدن الأهزوجة التالية:
يا حمام زارنا
ويش دلك دارنا
دلني زين البنات
والبنات مزينات
والقصر يبي مفتاح
ولها تكمله سترد الآن مع الأهزوجة التي تقولها البنات في منطقة الحجاز عند تأدية هذه اللعبة، حيث تبدأ بمقطع مختلف فيقلن:
"هوها يا هوها
والكعبة بنوها
سيدي سافر مكة
جاب لي صندوق كعكة
والكعكة وسط الصندوق
والصندوق ما له مفتاح
والمفتاح عند النجار
والنجار يبغى فلوس
والفلوس عند العروس
والعروس تبغى اللبن
واللبن من البقر
والبقر يبغى الحشيش
والحشيش من الجبل
والجبل يبغى المطر
والمطر من ربنا".
الخبصة:
من ألعاب الفتيات غالبا، وأحيانا الصبيان حيث تقوم الفتيات بخلط خرز أو ما شابهه مع الرمل، ولهذا سميت "خبصة" لأن هذه الكلمة في اللهجة العامية تعني الخلط والمزج، ثم بعد ذلك تقسم كومة الرمل التي فيها الخرز إلى كومات صغيرة بعدد اللاعبات فتأخذ كل لاعبة كومة وتبدأ التفتيش عن الخرز الموجود فيها، والفائزة هي التي تتمكن من كسب أكبر قدر من الخرز. وهذه اللعبة قديمة عرفها العرب في الجاهلية، وكان يمارسها الفتيان وربما الفتيات، وكانت تسمى المفايلة والفيال والبقيري، وقد ذكرها طرفة بن العبد في معلقته عندما تحدث عن السفينة وهي تشق عباب البحر فقال:
يشق حباب الماء حيزومها بها
كما قسم الترب المفايل باليد
#4#
عظيم ساري:
لعبة في غاية الشهرة منتشرة في العالم العربي، معروفة عند العرب منذ الجاهلية بمسميات عدة، وقد ورد في بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبها وهو صغير ومن أسماء هذه اللعبة: عظيم لاح، عظيم وضاح، عظيم ساري، وغيرها من المسميات، وذكرها الجاحظ وابن منظور، والفيروز أبادي وسماها لعبة القجقجة، وهي من ألعاب الصبيان يمارسونها في الليالي المقمرة بصفة خاصة، حيث يجتمعون بعد صلاة العشاء ويرددون هذه الأهزوجة:
العبوا وإلا سرينا
غابت القمرا علينا
لا يضيع العمر فينا
وحنا تونا ما اهتنينا
وصفتها أن يحضر اللاعبون قطعة عظم صغير ناصع البياض حتى يرى في الظلام، وبعد أن يراه الجميع يقفون في صف واحد يقابلهم لاعب آخر بوجهه ثم يرمي هذا اللاعب العظم بكل قوته خلف اللاعبين وهو يقول: عظيم وضاح، فيرد عليه اللاعبون: وين سرى وين راح، وين مكسور الجناح. ثم يتسابقون للبحث عنه ومن يجده يقول: سرى، فيلحق به اللاعبون، ومن أخذه منه يلاحقونه حتى يستطيع أحد اللاعبين أن يصل بالعظم إلى نقطة الأمان.
عقره بقره:
لعبة يمارسها الصبيان والصبايا فيجلس الأطفال على شكل دائرة، ويتوسطهم أحدهم وهو يقول:
عقره بقره، قال لي عمي عد لعشرة
واحد اثنين عمي حسين
ثلاثة أربعة في المزرعة
خمسة ستة يعلم بنته
سبعة ثمانية يزرع بامية
تسعة عشرة يحلب بقرة
فإذا أتت كلمة بقرة على شخص وجب عليه الخروج من اللعب، وهكذا حتى يبقى في الدائرة واحد فقط وهو الفائز، وتختلف ألفاظ الأهزوجة بعض الشيء من منطقة لأخرى.
لقد كانت هذه الألعاب ومثيلاتها نتاج عصرها، واستمر بعضها قرونا نظرا لتشابه الظروف وطريقة الحياة. ومع التطور الكبير الذي شهدته البشرية في القرن الأخير، اخترعت ألعاب جديدة أصبحت هي المسيطرة في المجتمعات البشرية، وانحسر دور الألعاب القديمة بشكل كبير جدا، بل تلاشى أو كاد بعضها.