باب الكعبة المشرفة.. تاريخ يمتد من عهد النبي إبراهيم
اختلف المؤرخون في عدد بناء الكعبة ووصف كل بناء، إلا أنه من الثابت بناء إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- وبناء قريش قبل بعثة النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ وبناء عبد الله بن الزبير ـــ رضي الله عنهما ـــ وبناء السلطان مراد الرابع في القرن الحادي عشر، وكذلك التعديل الذي أجراء الحجاج بن يوسف على بناء عبد الله بن الزبير ـــ رضي الله عنهما ـــ.
وقد عرف أن للكعبة في بناء إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- بابين أو فتحتين بالأصح وضعتا للدخول والخروج من دون تبويب وكانت الأولى بالجدار الشرقي للكعبة والأخرى بالجدار الغربي وكانت تلك الفتحتان على مستوى الأرض، ولكن حينما قامت قريش ببناء الكعبة قبيل بعثة النبي- صلى الله عليه وسلم- غيرت في بناء إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- من حيث المساحة، وأضافت بعض التعديلات عليها، ومن تلك التعديلات أن جعلوا للكعبة بابا واحدا فقط وهو الموجود في الجدار الشرقي للكعبة ورفعوه عن الأرض، لكي يدخلوا من أرادوا ويمنعوا من أرادوا وجعلوا لهذا الباب مصراعا واحدا وبقي باب الكعبة بتلك الصفة حتى أعاد عبد الله بن الزبير ـــ رضي الله عنهما ــــ بناء الكعبة سنة 64هـ إثر الخلل الذي حدث لها خلال أحداث تلك الفترة، ولكنه بناها وفق رغبة ـــ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــ التي ذكرها لأم المؤمنين عائشة ـــ رضي الله عنها ــــ فأدخل ما أخرجته قريش منها وجعل لها بابين على مستوى الأرض، وجعل لكل باب مصراعين وجعل الباب الموجود في الجدار الشرقي للدخول والباب الموجود في الجدار الغربي للخروج، وكان طول الباب الواحد 11 ذراعا من الأرض ثم لما قتل عبد الله بن الزبير ـــ رضي الله عنهما ـــ أخبر الحجاج بن يوسف الثقفي أمير المؤمنين في ذلك الوقت عبد الملك بن مروان بما فعله عبد الله بن الزبير ـــ رضي الله عنهما ــــ بالكعبة ولم يكن أمير المؤمنين يعلم بما استند إليه عبد الله بن الزبير ـــ رضي الله عنهما ـــ في بنائه فأمر الحجاج بتعديل وضع البناء دون الهدم بالكلية ومن تلك التعديلات سد الباب الغربي وردم أرضية الكعبة وبهذا ارتفع الباب الشرقي فردم تحته أربع أذرع وشبر ما عدا العتبة، وأصبح طول الباب بعد الردم ست أذرع وعشر أصابع، وجعل للباب مصراعين عرض كل مصراع ذراع و18 أصبعا ثم أمر عبد الملك بن مروان حينما حج سنة 75هـ بتحلية الباب بالذهب، ويقال إنه أول من حلى الباب بالذهب، ويقال إن عبد الله بن الزبير ـــ رضي الله عنهما ــــ هو أول من عمل ذلك، وفي عام 91هـ أرسل الوليد بن عبد الملك لعامله على مكة المكرمة 36 ألف دينار وجعلها صفائح، وقد ضرب جزءا منها على باب الكعبة ثم رفع إلى أمير المؤمنين محمد بن هارون الرشيد (193- 198هـ) أن الذهب الذي على باب الكعبة قد رق وتفرق فأرسل 18 ألف دينار وقلع ما على الباب، ثم زيد عليه المرسل فضربتا على الباب ومساميره وحلقتيه وعتبته وفياريزه ثم حلى المعتضد بالله (279 - 289هـ) الباب أيضا بالذهب الخالص، وفي عام 550هـ عمل الوزير جمال الدين الجواد في خلافة المقتفي بابا للكعبة، وقد ركب سنة 551هـ وحلاه بالذهب وكتب عليه اسم الخليفة المقتفي وأخذ الباب السابق وأوصى أن يكون تابوتا له ونفذت وصيته ودفن بالمدينة المنورة ثم عمل الملك المظفر صاحب اليمن (647 ـــ 694هـ) بابا جديدا للكعبة وعليه صفائح من الفضة زنتها 60 رطلا، وعمل بعد ذلك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر بابا آخر حلاه بـ 35 ألف درهم وركب في الكعبة في 18 /11 /733هـ ثم عمل ابنه الملك الناصر حسن بابا آخر عام 761هـ، وقد حلى هذا الباب عام 776هـ، وكذلك عام 816هـ، وكذلك عام 959هـ وبقي هذا الباب إلى عام 962هـ، حيث أمر السلطان سليمان القانوني بعمل باب للكعبة، ثم استبدل السلطان مراد الرابع الباب السابق بباب جديد أمر به عام 1044هـ، وبقي هذا الباب أكثر من أربعة قرون، حيث تم استبداله في عهد الملك عبد العزيز بباب آخر مصفح بالذهب والفضة، وهو مصنوع من الخشب الجاوي، ويذكر أنه استغرق في صناعته ثلاث سنوات، وقد أشرف على صناعته شيخ الصاغة محمد يوسف بدر وركب الباب في حفل كبير رأسه الملك سعود حينما كان وليا للعهد عصر الخميس 15 /12 /1366هـ، ومما جاء في هذا الباب من النصوص الكتابية قول (أمر بصنع هذا الباب جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ملك المملكة العربية السعودية عام 1363هـ)، ويقول الشاعر أحمد الغزاوي مؤرخا الحدث بحساب الجمل في قصيدة طويلة بهذه المناسبة:
فاسمع لتاريخه قد جاء منسجما أسعد بها قربة نادت بمهديه
ويقول الشاعر طاهر زمخشري بهذه المناسبة:
يمينك في رتاج الباب فاهنأ بهذا الفضل واسأله الثوابا
هذا وقد أمر الملك عبد العزيز بإصلاح جوانب الباب باستعمال الفضة الموشحة بالذهب، ثم عمل بابا آخر بأمر الملك خالد بن عبد العزيز وركب عام 1399هـ وبلغت نفقات الباب الجديد مع باب السلم الداخلي 13420000 ريال، بخلاف الذهب الذي تم تأمينه من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي، وقد وضع فيه من الذهب 280 كيلوجراما عيار 999.9 في المائة وهو الباب الموجود في وقتنا هذا، يذكر أنه أقيم لصناعة هذا الباب معمل خاص في مكة المكرمة وبدأ العمل فيه في غرة ذي الحجة سنة 1398هـ وقد صنعه أحمد إبراهيم بدر وصممه محمد الجندي ووضع الخط عبد الرحيم أمين، ومما جاء في الباب من النصوص الكتابية قول "صنع الباب السابق في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1366هـ" وتحتها قول "صنع هذا الباب في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود عام 1399هـ"، وجاء أيضا (تشرف بافتتاحه بعون الله تعالى الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود في الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1399هـ)، ويذكر أن في تلك الأثناء صدر طابع بريدي تذكاري بهذه المناسبة، كما أن الباب حظي بنصيب من كسوة الكعبة المشرفة، وقد استحدثت كسوة الكعبة المسماة البرقع عام 810هـ، وقد كانت تتكون في العصر العثماني من أربع قطع أما في العهد السعودي فإنها تتكون من خمس قطع، ويبلغ طولها سبعة أمتار ونصف، وعرضها أربعة أمتار، وقد جعل لها قسم خاص بمصنع الكسوة له عاملوه، وهو خاص بكسوة باب الكعبة وكذلك حزام الكعبة.