إفلاس الأندية.. وعجز الهيئة
نعاني في البناء الرياضي من بعدنا عن مواجهة الحقيقة وعدم معالجة الخلل بشكل مباشر وجريء، فالاحتراف الذي سرق المال من كل الألعاب ليضعها في سلة كرة القدم حان الوقت لنتساءل ونسأل عن مدى نجاح التجربة وكيف بات الآن التنافس المالي في البذخ والتلميع لبضاعة لا تقوى على مقارنة نفسها بجيل الهواة الذين لم يأخذوا من عشقهم ربع ما تحقق للاعبي عصر الاحتراف، فالديون على أربعة الأندية الجماهيرية، وفق إعلان هيئة الرياضة في يونيو الماضي بلغت مليار ريال، أيٌ عقل لبيب لا بد أن يطرح علامات التعجب ويظهر برأسه ألف سؤال لا جواب لها، كيف تراكمت هذه الديون في ظل توجيه اللجان لممارسة حقها في تنظيم العمل، وفق اللوائح وترتيب السجلات المالية للأندية مع تسلم مسيرات الرواتب وكشوفها من البنوك، فمن ترك الحبل على الغارب وأين المعالجة الحقيقية لمثل هذا التسيب المالي والضخ غير المنضبط؟ فما نشاهده ونراه بفعل العبث واللامسوؤلية في تصرفات بعض رؤساء الأندية ومع هذا ما زال البعض سالكا ذات الطريق لم يرعو أو يستفد مما مضى فهها هما ناديا الأهلي والهلال يستبدلان مدربيهما والنصر تظهر مؤشرات الرفض في داخله لقوة شخصية المدرب بأنه راحل لا محالة؛ فالكلام عن التخطيط المبكر والمعسكرات السنوية قبل الموسم لإعداد الفريق وتجهيزه باتت كلاماً يردد من غير فعل حقيقي، كشفتها سوء البدايات وعرتها الخلافات القائمة مع المديرين الفنيين للأندية والسمسار بكل شغف ينتظر الجديد ليحل محل القديم وكأن الأندية أملاك خاصة وأموالها حق مشاع للتبديد، وكأن من يبذر لديه حصانة ومناعة من التدقيق والخضوع للجمعية العمومية للنادي حيال ضياع الأموال دون وجه حق، وقد يخرج صوت يعارض هذا التوجه معللاً ذلك بأنها تبرعات من رجال ومحبين وقفوا بكل قوة للدعم والمساندة وهذا رأي لا يصمد ولا يستقيم أمام الكارثة المالية التي سببها هذا المجال المفتوح للاستعراض والشهرة وشهوة الحضور الإعلامي في وقت بات التنظيم المالي ووقف الهدر سمة إدارية من أعلى سلطة في البلد فهل كرة القدم في حصانة من موانع المراجعة والتدقيق وإعادة كل جسد منفوخ لحجمة الطبيعي بأن يكون العمل، وفق الميزانية المرصودة وليست المقترحة والصرف يتم من خلال الموجودات في البنوك وليس من خلال العقود الآجلة، ومن سيقوم بسدادها حين يرحل مجلس الإدارة الحالي.
ما يقدمه اللاعبون لا يشفع لهم بطلب هذه المبالغ العالية فأين المنجزات التي ترفع سمعة الكرة السعودية وتجعل مما يقدم ثمناً يوازي قوة المنتج وجدارته فالصورة الحالية عبارة عن سماسرة يقبضون باسم اللاعبين ولا ينال بعضهم - المقصود هنا اللاعبين - سوى جزء من الصفقة، بينما ينال كل من كان له دور نصيب منها، سواء عن طريق الإعلام أو حتى التسويق قبل العقد أو حال توقيعه.
50 مليونا مجموع ما يتقاضاه خمسة من أبرز اللاعبين محلياً، هذا المبلغ الضخم يكفي لبناء ملاعب رياضية كاملة أو رعاية فئات سنية لعشرات السنين يعود ريعها وإنتاجها لصالح قوة المنافسات المحلية حقيقة وليست إثارة ومن ثم يكون للتسويق دور في بناء مؤسسات رياضية مالية بعد تحقيق المنجزات على المستويين الإقليمي والقاري.
من يوقف هذا النزف؟
ومن يستطيع أن يمسك خيط البداية لحماية هذه الكيانات من الهدر الحاصل، والصراع بين أعضاء شرف ورؤساء لا يريدون سوى التملك يدفعهم في ذلك حب الذات والمماحكة والعناد الذي تاهت به دروب الحل الصحيح ويعجز عن إيقافها من يحترق قلبه على رياضة هذا الوطن.