الكفاءة والجودة والانحباس النظري

هل الكفاءة في العمل والجودة في الإنتاج مجرد تعبيرين إعلاميين، أم هما معياران لهما استحقاقات ذات طابع إجرائي تقني؟!
إننا على سبيل المثال نحس بشيء من الرضا لمجرد أن موظفا يؤدي عمله؛ إذ سرعان ما نصادق على كفاءة عمله وعلى جودة ما يقوم به لأنه قام أو يقوم به دون اعتبار لمدى الإتقان والتفرد أو لنقل التميز والإبداع.. وكأن الكفاءة والجودة تقتصران على مجرد الوفاء بالشغل ووقته فحسب.
الغريب أننا على مستوى الخدمات اللصيقة بنا، كالعمالة المنزلية ـــ مثلا ـــ لدينا عين فاحصة وعقل ثاقب حاضران لإصدار الحكم بجدارة الأداء والإنجاز بتقييم صحيح مطابق للمعنى الفعلي للجودة والكفاءة.
فلا أحد منا يفرط في عاملة منزلية تتجاوز تقديم ما هو مطلوب منها بمستوى مألوف مقبول إلى ما هو لافت للانتباه، مثير للإعجاب، والشيء نفسه يمكن قوله عن السائق ومن على شاكلتيهما.
هذا يعني أن أحكامنا ليست اعتباطية في هذا الشأن؛ لأن المعايير التي نحكم بها حاضرة في وعينا، وأننا نعرف سقفها الأدنى وسقفها الأعلى، وأننا تلقائيا نتعلق بالسقف الأعلى لأنه من ناحية يعود علينا بفائدة مباشرة، ولأنه من ناحية أخرى ثقافة واعية كامنة فينا بحكم الملاحظة والتجربة المعيشة، سواء بالسفر أو القراءة أو الملاحظة.
الشكوى من تدني الإنتاجية والكفاءة ما زالت مستمرة مع أن معهد الإدارة العامة والجامعات ومراكز التدريب تقدم برامج ودورات ومؤتمرات منذ عقود، لكن الجودة في مخرجات القطاع الحكومي، وكذلك القطاع الخاص ليس لهما وزنهما النوعي بعد؛ فالقطاع الحكومي معوق بالبطء والبيروقراطية، أما القطاع الخاص فلم يستطع تجاوز نمطية أدائه المتواضع بدليل أن صناعاتنا، حتى الاستهلاكية منها، ما زال معظمها غير قادر على الترقي نحو ريادات صناعية تنافسية في أسواق العالم.
لقد تعاقبت خطط التنمية العشر وظلت تثابر على تكرار عبارات عتيدة من نوع: مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات التنمية، وتنويع مصادر الدخل أو تنويع القاعدة الاقتصادية، والتنويع الاقتصادي، وتكوين القوى البشرية الوطنية الماهرة، ناهيك عن فانتازيا اقتصاد المعرفة أو التنافسية ومؤتمراتها.. وما زال هذا الطرح النظري يمارس حضوره بكثافة إلى الحد الذي جعله يتحول إلى مثبط طالما لم ينجم عنه حتى اليوم ما هو مأمول من منتجات يتوق الجميع إلى أن يراها تملأ بتميزها أرجاء الوطن، وهو حتما سيحدث فقط حين تحتل عقولنا تلك الحساسية بالسقف الأعلى التي نعاير بها تلقائيا الأداء المميز لعمالتنا المنزلية؛ إذ من هنا نبدأ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي