موازنة 2017 .. والتخطيط المالي الشخصي
كانت 2016 سنة جوهرية في التاريخ المحلي للثقافة المالية الشخصية، بعد عدد غير قليل من الأحداث الاقتصادية عبّر تجار التجزئة وكل من يمارس التجارة تقريبا عن تغير جذري في عنصرين من أهم عناصر المعادلة: أسلوب الصرف الحكومي، وأسلوب الاستهلاك الفردي. لا أعلم إن كان هناك من يدرس ملامح هذا التغيير من زاوية السلوك المالي الشخصي وسأكون بانتظار قراءة أول بحث يخرج في هذا الموضوع. بالحديث حول ميزانية 2017 سنجدها مختلفة وتنبئ عن مكتسبات وسلوكيات شخصية جديدة؛ سماتها الجديدة تجعلها أكثر رشاقة واتزانا ما ينعكس على تطبيقها وعلى آثارها كذلك. ولكن، ما الرابط بين ميزانية الدولة وميزانية الفرد، أو بين التخطيط المالي الشخصي والظروف الاقتصادية الأشمل التي تكون على مستوى الوطن؟!
على الرغم من التباين الشاسع في الحجم والتعقيد بين موازنة على مستوى دولة وأخرى على مستوى الفرد، إلا أن هناك عددا من الأسباب المهمة التي تستحق المرور والتي نجد في ثناياها الرابط الأهم بين موازنة العام المقبل وتخطيطنا وقراراتنا الشخصية. لا ينحصر هذا الرابط في مجرد الاهتمام بالأخبار الاقتصادية أو متابعة حديث الشارع فقط. يتساءل بعضهم: حسنا، عرفت أهم البنود، وماذا بعد؟! تحصل الموازنة اليوم على زخم متزايد كل عام وهو أمر إيجابي جدا، وهذا يتفق مع تطلعاتنا لارتقاء ما يحصل محليا على مؤشرات شفافية الموازنات الحكومية وأفضل الممارسات العالمية. يتزايد هذا الاهتمام بسبب تنامي حس التلقي الموجود لدى المواطن، وهو أمر ناتج عن تطور وسائل عرض ونقل المعلومة، وجزء آخر منه مرتبط بتحسن الوعي الاقتصادي والمالي لدى الفرد.
هناك اهتمام واضح بترتيبات إصدار الموازنة ـــ على سبيل المثال: جلسة خاصة لمجلس الوزراء والإعلان المبكر عن موعدها وكثير من التحضيرات والمجهودات التي لا تظهر للجميع ـــ وذلك لأن الأمر يستحق بل يستوجب الانتباه الجيد، فهو حدث وطني مهم يمس المواطن وكل الدوائر المرتبطة به بشكل مباشر. متابعة الموازنة ليس خبرا عابرا، بل هو في الأساس دعوة يتفاعل معها المواطن ويهتم بقدر كبير بتفاصيلها.
تؤثر الموازنة وبطريقة مباشرة في شكل وأسلوب الدعم الحكومي الذي نتعامل معه بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وهذا يشمل عددا كبيرا من القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والخدمات. وكما هو معلوم، وبسبب طبيعة هيكلة اقتصادنا المحلي، يقوم معظم النشاط الاقتصادي المحلي على حجم وآلية توزيع المصروفات الحكومية، التي تعد من أهم بنود الموازنة. وهذا يؤثر بشكل مباشر في طبيعة هذه الأنشطة الاقتصادية، التي تنعكس بدورها في صورة فرص والتزامات على المواطن. وللفرد الاختيار، أن يعيد ضبط سلوكياته المالية الشخصية للتواؤم مع هذه التغييرات، أو أن يقع ضحية هذه الالتزامات ويفوت الفرص. عندما قامت الحكومات الغربية بتقليص نفقات الجامعات رفعت رسومها ما أدى إلى تغيير أسلوب الادخار لتوفير المصاريف الدراسية المستقبلية. وكمثال آخر، نستطيع بسهولة ملاحظة تحسن مستقبل أحد القطاعات المحورية في الاقتصاد المحلي، ما يجعلنا نستثمر مشاريعنا في مثل هذا القطاع أو نبحث عن وظائف لأبنائنا فيه. وهنا في نظري بيت القصيد، ليس المهم كم ارتفعت تكلفة تلك السلعة ولكن المهم، أين تقع الفرصة، وكيف سأعوض ارتفاع سلعة أو سلعتين بمدخول يعادل قيمتها بأكثر من مرة، بهذا يدعم صاحب الوعي المالي التغيير ولا يقف في طريقه أو يتعجب منه! تحتوي كل موازنة على أمور وقتية تخص إدارة المصروفات لفترة الموازنة (أي سنة واحدة فقط) وتحتوي كذلك على استثمارات ومشاريع يتوقع أن يرى عائدها في سنوات وربما عقود قادمة. المخطط المالي الجيد يفرق زمنيا بين النقطتين ويستطيع مواءمة ذلك مع خطته الشخصية الحالية والأخرى "طويلة الأمد".
من الأمور الجوهرية أيضا حجم ونوع المؤشرات التي تصنعها الموازنة، فهي تنبئ عن الظروف الاقتصادية المحلية ومتغيراتها المقبلة، ولذلك علاقة ذلك بالتخطيط المالي الشخصي من النواحي الادخارية والاستثمارية. ستحدد الموازنة بعض العناصر والزوايا التي ستتلقى المزيد من الضوء، وهذا يعني خيارات أفضل وأوضح للمستثمر والمدخر. مرة أخرى، هي ليست خبرا عاما يمكن التعليق عليه وتجاوزه بسرعة، وإنما هي إطار أكبر يحوي ملايين التفاصيل، تلك التفاصيل التي يخص كل واحد منا جزءا محددا ومؤثرا منها. لا يغيب من يخطط ماليا بفاعلية عن هذه التفاصيل، ويستطيع ربطها بشكل متجدد وموضوعي بقراراته المالية التي يجددها بشكل دوري ومرتب.