معركة تسوشيما 1905 م وصعود نجم اليابان

معركة تسوشيما 1905 م وصعود نجم اليابان

[email protected]

صعدت اليابان مع نهاية القرن التاسع عشر وخلال نصف قرن، من بلد رجعي متخلف، يسيطر عليه مقاتلو الساموراي بالسيف والطبنجة، إلى بلد عصري متقدم، ينتج أدواته العصرية، ويسيطر على البحار، ويظهر كإمبراطورية تملك مصيرها بيدها.
وفي عام م1894 امتدت اليابان إلى كوريا، حيث ناجزت الصين فدمرت أسطولها، واحتلت كوريا التي تعدها خنجرا في خاصرتها.
ولم تبق إلا مسافة قصيرة من المواجهة مع الروس.
وبين عامي 1853م حين رسا (ماثيو بري) القائد الأمريكي، وبين نهاية القرن، تحولت اليابان إلى دولة عصرية يخشى بأسها.
وكان سر التحول هو ميثاق الإمبراطور (الميجي) الذي بدأ بنقل المعارف من كل أنحاء العالم، وإرسال 150 شابا ذكيا جلدا، يتعلمون فنون وتقنيات الغرب.
ومنهم شاب طموح هو (هيهاتشيرو توغو)، الذي خدم سبع سنوات في التدريب في البحرية البريطانية، في سفينة (وورستر) تحت إمرة القبطان (سميث) في مدينة (دارتموث).
ووِصف (توغو) بأنه كان عاملاً مجتهداً أكثر منه إنسانا ذكيا، يعمل ببطء ولكن على نحو أكيد.
عكف (توغو) بإعجاب على تراث الأدميرال البريطاني المشهور (هوراشيو نيلسون)، ودرس استراتيجياته في الحرب والمناورة البحرية، وكيف دمر الأسطول الفرنسي عند (أبي قير) تجاه الساحل المصري إبان حملة نابليون عام 1798م، كما اطلع على معركته العجيبة عندما دمر الأسطول الفرنسي والإسباني في معركة (ترافلجار Trafalgar) قبل مائة سنة. وعندما رجع توغو إلى بلده بالخبرة الجديدة، برتبة ملازم ثاني، كان شخصاً آخر بعقلية جديدة عصرية.
وفي عام 1902م تحالفت بريطانيا مع اليابان، ضد التوسعات الروسية في منشوريا، وكانت روسيا يومها تمتد من بحر البلطيق إلى المحيط الهادي، ولكنها صدمت بصدمة مروعة من القوة اليابانية، عندما ضربت سفنها في ميناء آرثر على المحيط الهادي شرق روسيا.
غضبت روسيا مما حدث وأمرت أسطولها العملاق بالتحرك لتأديب اليابانيين إلى الشرق، ولكن المسافة بين بحر البلطيق واليابان تبلغ 18 ألف ميل، وتحتاج بسرعة تلك الأيام عندما كانت السفن تمشي بالفحم إلى سبعة أشهر.
وهكذا انطلق الأدميرال الروسي (زينوفي بيتروفيتش روجديزتفنسكي) بحملة من 38 سفينة باتجاه الشرق.
وأول شيء عمله هو إعادة دهان السفن، حيث لمعت مدخناتها بلون ذهبي أصفر تحت الشمس يصلح هدفاً ممتازا للرماية، كما دهن الأسفل بأسود جميل وجسمها من النصف بلون أبيض وكانت البوارج تمشي بضوء ساطع في ظلمات البحر، ما جعلها هدفا رائعا للقصار الملاعين من اليابانيين!!
ووصف هذا الأدميرال الروسي، بأنه كان تافهاً يحب الشجار مع من حوله لأتفه الأمور، ويحب المظاهر الاستعراضية كثيرا، في حين كانت روسيا تحكم بطبقة متعفنة من الارستقراطيين، الذين يتجولون بثياب براقة وشوارب مفتولة تصلح لجلوس صقر عليها سماعون للكذب أكالون للسحت.
وعندما وصل إلى بحر الشمال (تعالق) بشجار مع مجموعات صيادي الأسماك، ما أثار عليه سخطا عالميا.
وأمام الساحل الجنوبي الغربي لإفريقيا أوقف أسطوله هنيهة للاستعراض، وأراد التأكد من فعاليته؛ فوضع نصباً في عرض البحر على شكل سفينة، مربوطة إلى بارجة من بوارج حملته، ثم وجه أوامره بضرب القذائف عليها، كما لو كانت هدفاً يابانياً، وفعلاً وبعد ألف قذيفة (صادوها)؟!! ولكن جرت السفينة معها إلى القاع البارجة المربوطة فيها.
وكانت بداية سيئة كما نرى، وكان هذا الأدميرال المنتفخ قد خرج من بيته بطرا ورئاء الناس كما يقول القرآن.
انتظر توغو الحملة الروسية وخشي ليس أن تقع المعركة، بل إن لا تقع، وكانت خيارات الأدميرال الروسي (روجديزتفنسكي) ثلاثا؛ فإما يمر من جانب اليابان، ولكنه سيحتاج إلى الفحم؟؟ وإما بجانب الشاطئ الصيني، ولكنه مليء بألغام اليابانيين؟ وإما يدخل المنطقة بين كوريا واليابان، حذاء جزيرة (تسوشيما)، وهذا ما كان.
وواجهت 38 سفينة روسية عند الساعة 2.45 صباحاً من يوم 27 مايو 1905 م ست عشرة سفينة يابانية. وبدأ الضرب من مسافة خمسة أميال، وكانت سرعة قصف اليابانيين أسرع من الروس ثلاث مرات، وأبعد مدى، ولم ينجل ضباب ذلك اليوم المشؤوم، إلا والكارثة قد حلت بالروس فقتل 4830 جنديا، وأسر 5817 من أمواج المياه المالحة يغرقون، ومنهم الأدميرال الروسي المنتفخ، ولم ينج من السفن الروسية سوى ثلاث مثل الطيور (المنتوفة)، وعاد توغو يحمل أكليل الغار على رأسه، وتم الاحتفال في 25 أكتوبر بالذكرى المئوية لمعركة ترافلجار Trafalgar اليابانية، ومعها النصر الياباني.
كان توغو يردد قول الساموراي "اربحوا أولاً ثم قاتلوا ثانيا".
وأهم نتائج هذا التحول في التاريخ، هو استيقاظ العالم على قوة جديدة تلحق بالغرب، وتتعلم منهم، وتسبقهم في بعض الميادين، ما يجعل التخلف ليس تشوها وراثيا لا علاج له، بل مرضا ثقافيا يمكن إصلاحه، وهو أمل للعرب بغد مجيد؟
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الأكثر قراءة