«القارة» .. جبل الأساطير وكهوف الشجان
تزخر السعودية بأعداد لا حصر لها من الآثار والمناطق التراثية والمعالم الجغرافية الغريبة والجميلة. ومن بينها جبل القارة الشهير في منطقة الأحساء، الذي يقع على بعد 13 كيلو مترا إلى الشرق من مدينة الهفوف في وسط واحة خضراء جميلة، فهو يطل على مساحات شاسعة من أشجار النخيل والبساتين، في منظر بديع وخلاب، كما يطل على عدة قرى. ومساحة قاعدته نحو 1400 هكتار، ويذكر الباحث محمد الجلواح أن جبل القارة يتكون من صخور رسوبية، ويشتهر بوجود عدة كهوف تختلف في مساحاتها، ولكن أكبرها يقع في الوسط الشرقي من الجبل، وقد تم تحسينه من قبل بلدية الأحساء، وتأتي أهمية تلك الكهوف في كونها تتمتع بجو بارد في فصل الصيف وجو دافئ في فصل الشتاء. وأنها تتميز بخلوها من الحيوانات على اختلاف أنواعها، وهي بذلك تعد من أكثر الكهوف الجبلية أمانا في العالم، ويضاف إلى ذلك الجمال الساحر الذي تظهره الأسقف الجبلية لتلك الكهوف.
في عام 1360هـ، كتب الشيخ حمد الجاسر في مجلة "المنهل" مثنيا على الاصطياف في الأحساء وقال "وإنني لأذكر أنني ذهبت مرة إلى جبل قريب من قرية القارة فيه مغارات أصلية فشعرت وشعر من معي بما يشعر به كل زائر لذلك الجبل من البرد ورقة الهواء بما يذكر ببرد الشتاء". وفي عام 1386هـ زار سليم زبال مدينة الأحساء وكتب تقريرا عنها لمجلة العربي جاء فيه "توصف أرض الأحساء بأنها خالية من الجبال، ولكن وسط بساتين النخيل يرتفع جبل الشبعان أو القارة الغريب الذي تكثر فيه الكهوف المتميزة بالبرودة في الصيف والدفء في الشتاء، لهذا يلجأ إليها الأهالي يقضون فترات الصيف والشتاء، وتنوي بلدية الهفوف تحويل هذا الجبل إلى مكان سياحي لغرابته".
لم تتطرق كتب التاريخ لدور جبل القارة في العصور المتقدمة، إلا أن بعض المعلومات المروية تفيد أن قبائل متنقلة سكنت هذا الجبل، واتخذت من ارتفاعه الشاهق مرصدا طبيعيا لمراقبة الغزاة وقطاع الطرق، ثم تكاثرت تلك القبائل واستقرت في أماكنها واتسع نطاق عمرانها، فتكون على أثر ذلك الاستقرار نشوء القرى التي تحيط بالجبل.
سبب التسمية
يرد في بعض كتب التفسير في قصة نبي الله صالح- عليه السلام- والناقة المذكورة في القرآن عند شرح قوله تعالى: "ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب"، يرد أثر يقول: "وهي الأيام الثلاثة التي فهمها صالح- عليه السلام- من رغاء الفصيل على جبل القارة"، ومن الواضح لو صح الأثر أن المقصود جبل آخر غير الذي نتحدث عنه، لكنه يفيد في تشابه الاسم. كما يوجد في محافظة أبين في اليمن جبل بالاسم نفسه القارة. أما سبب تسمية جبل القارة في الأحساء، فإن المعنى اللغوي لكلمة قارة هو الجبل الصغير المنقطع عن الجبال وغير المتصل بجبال أخرى. وتناول الجلواح سبب تسمية الجبل، وما ورد في المراجع والكتب عنه وكيف كان يطلق عليه جبل الشبعان لأنه محاط بالنخيل المشبعة بالماء كما يرى العديد من كبار السن من القارة والقرى المجاورة الذين تحدثت معهم في ذلك. وقال إن سبب تسمية الجبل بجبل القارة يعود إلى أن الأطيط والشبعاء قارتان في هجر، مستشهدا بقول هشام الكلبي عن القارة أنه جبيل بين الأطيط والشبعاء هو كلام دقيق من هذا العالم الموسوعي الضليع وقد قال الشيخ حمد الجاسر إن الشبعاء ما هو إلا تحريف للشبعان أي الجبل الكبير المعروف الآن باسم جبل القارة، وهذا بخلاف الواقع، إذ إن الأطيط هو الموضع الذي أضاف إليه امرؤ القيس حصن الصفا فأسماه "صفا الأطيط" في شعره الذي ذكره الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب قائلا إنه ذكر فيه ثمانية مواضع من البحرين. وبحث الدكتور فضل العماري عن أصل تسمية الجبل وأورد نصوصا عديدة منها، قال ياقوت الحموي "الشبعان: جبل بالبحرين، يتبرد بِكهافه". ويقول المؤرخ محمد بن عبد المحسن آل عبد القادر في كتاب "تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء القديم والجديد"، موضحا أن الشبعان هو القارة "هو الجبل المعروف الآن في الأحساء بـ (جبل القارة)، وسمي الشبعان لكونه في وسط النخيل، قد طوقته النخيل والأنهار من جميع جوانبه.. وفيه مغارات واسعة مرتفعة باردة في أيام الصيف". ويؤيده الشيخ حمد الجاسر فيقول "لا تزال كلمة الشبعان تُطلَق على الجبل المعروف باسم القارة.. تقدَّر مساحة الجبيل بما يقارب 2 كيلو متر طولا في عرض كيلو متر، وارتفاعه نحو كيلو متر أيضا، ويقع في الشمال الشرقي من الهفوف على نحو 20 كيلو متر، ويُعرَف الجبل أيضا باسم الشبعان".
والاسم قديم مذكور في كتب اللغة والبلدانيات، قال أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم" "المشقر: بضم أوله، وفتح ثانيه، بعده قاف مفتوحة مشدودة، وراء مهملة: قصر بالبحرين. وقيل: هي مدينة هجر. وبني المشقر معاوية بن الحارث ابن معاوية الملك الكندي، وكانت منازلهم ضرية، فانتقل أبوه الحارث إلى الغمر، ثم بنى ابنه المشقر، قال امرؤ القيس: أو المكرعات من نخيل ابن يامن دوين الصفا اللائي يلين المشقرا ابن يامن رجل من أهل هجر، لا يدرى ممن هو؟ قال ابن الكلبي: هو يهودي من أهل خيبر. وقال أبو عبيدة: هو ملاح من أهل البحرين. وقال ابن الأعرابي المشقر: مدينة عظيمة قديمة، في وسطها قلعة، على قارة تسمى عطالة، وفي أعلاها بئر تثقب القارة، حتى تنتهي إلى الأرض، وتذهب في الأرض. وماء هجر يتحلب إلى هذه البئر في زيادتها. وتحلبها: نقصانها".
روايات وأساطير
ولتكوين جبل القارة الغريب فقد أصبح مثار استغراب الناس، ثم مثار خلق الروايات والأساطير حوله، فتحدث أناس عبر السنين عن وجود الجن والعفاريت فيه، ويحكون عنها قصصا خرافية، كما يسمي بعضهم إحدى مغارات الجبل بمغارة، ويذكرون أنه وقع فيها قتال في عهد سابق وأن جماجم وعظام القتلى لا تزال موجودة. ويتحدثون عن كهف مظلم لا يستطيع أحد دخوله إلا نوادر الشجعان. كما يتحدثون عن وجود بعض الكنوز والسيوف الأثرية في الجبل. ومما يروونه عن خصائص جبل القارة أنه لا يوجد فيها عقارب ولا حشرات ولا حيات وثعابين.