الانتماء أم الولاء للمنشأة .. أيهما أهم؟
من الملاحظ أنه كثيرا ما يتم تناول ضعف ولاء الموظفين من باب الإثراء المعرفي، وقليلا ما يتم تناوله من أجل دعم تحقيقه على أرض الواقع، هذه الحقيقة قد تشرح استمرار معاناة بعض المديرين من ضعف ولاء العاملين لديهم. نظريا هناك تباين في آراء مختصي الموارد البشرية في عدد الوسائل التي تسهم في تعزيز الولاء للمنشأة، فمنهم من اقتصر على خمس وسائل، بينما توسع البعض إلى أكثر من 12 وسيلة، لكن هناك شبه اتفاق على الدور الحيوي الذي تمارسه المهارات القيادية في تعزيز الولاء للمنشأة.
علينا التمييز بين الصفات المبنية على العلاقة التبادلية مع الطرف الآخر وبين الصفات التي منبعها شخصي وفردي. فمثلا الولاء والحب من الصفات التي لها ارتباط بالطرف الآخر ويتم تقييمها في إطار تبادلي بين طرفين، بينما هناك صفات منبعها شخصي ومرتبطة بالمبادئ والقيم كالصبر والحلم والصدق والأمانة.
علميا قد يكون اتهام الموظفين بضعف أو عدم الولاء دون النظر إلى ما قدمته المنشأة لتعزيز الولاء لها نوعا من الهرب من المشكلة وإسقاط التهم على الطرف الآخر. لذا فمن أجل أن نحصل على الحب والولاء، فعلينا أن نسأل أنفسنا" ماذا قدمنا من أجل الحصول على التبادلية في العلاقة مع الآخر؟ فسلوكيات المديرين مهمة جدا في تحقيق الولاء. المميزات المالية ليست الحافز الوحيد لتحقيق الولاء للمنشأة، فالاستقرار الإداري، والمعاملة الحسنة، وشعور الموظف بأنه جزء من فريق العمل، والعدالة في تقييم الموظفين، وتقديم المميزات المالية وفقا للمؤهلات العلمية والعملية، عوامل بلا شك تسهم في دعم الولاء للمنشأة، ولا يمكن تحقيقها إذا كان مدير الإدارة عاجزا عن زرعها وتأصيلها من خلال تعاملاته اليومية مع الموظفين.
كما أن الانتماء التنظيمي لا يقود بالضرورة إلى الولاء، الانتماء التنظيمي على الرغم من إيجابيته لكنه لا يقود الموظف لأن يعطي جزءا من نفسه ووقته الإضافي من أجل الإسهام في نجاح المنشأة التي يعمل فيها، لكن الولاء مرحلة أعمق، ويتحقق عندما تكون أهداف المنشأة وقيمها تتقاطع مع قيم وأهداف العاملين فيها، بمعنى أن رسالة المنشأة هي رسالة الموظف، وأهدافها هي أهدافه، ورؤيتها هي رؤيته. فنجاحه مرتبط بنجاح المنشأة التي يعمل فيها، وأهدافه تتحقق عندما تتحقق أهداف المنشأة التي يعمل فيها. هذه المرحلة من الصعب الظفر بها مع الموظفين، كما لا يمكن إرغام الموظفين على الوصول إلى هذه المرحلة. لكن مديري المنشآت يمكنهم تهيئة الأجواء اللازمة التي تسهم في أن يصل الموظفون إلى الولاء، الذي يسعى قادة أي منشأة إلى تحقيقه واقعا.
المشكلة أن بعض المنشآت تستثمر بشكل كبير في إيجاد المصادر المالية التي تمكنها من تحقيق أهدافها، لكنها لا تعطي مقدار الاهتمام بالتدقيق نفسه في اختيار مواردها البشرية. فاختيار الموارد البشرية المميزة سيكون الأداة والمعني الحقيقي بتحقيق تلك الأهداف على أرض الواقع، والموارد البشرية بلا شك أهم مورد لأي منشأة إذا أحسنت اختيارها. كما أن الموظفين قد لا يحتاجون إلى دورات من أجل تعزيز الولاء لها بقدر ما يحتاجون إلى أفعال ترسخ المفاهيم، كتطبيق وتجذر مهنية العمل داخلها. في اعتقادي ذاك المحك هو المحك الحقيقي لتعزيز الولاء داخل أي منشأة، هذا المحك له ارتباط أيضا بمفهوم ثقافة المنشأة، الذي يعتبر الروح والجوهر الذي يعطي المنشأة هويتها الحقيقية والقيم التي تنطلق منها.
المنشآت الحكومية أكثر من غيرها من المنشآت في ضعف مفهوم ولاء العمل فيها. ولعل برنامج التحول الوطني سيسهم بشكل إيجابي في إيجاد البيئة التي ستمكن القطاعات الحكومية مستقبلا من الأداء بشكل أمثل. لكن إحداث نقلة حقيقية يتطلب وجود آلية واضحة في الكيفية التي يتم بها اختيار قيادات ما بعد التحول، فمن غير المعقول أن تتحول المؤسسات الحكومية إلى الاستقلالية، بينما تتم إدارتها من عقول لا تزال تفكر بالعقلية الإدارية الحكومية السابقة. لذا سيظل التحدي الحقيقي في التحول الوطني مدى القدرة على إيجاد القيادات التي ستتولى إدارة دفة التغيير وتعزز الولاء بصورة احترافية.
لكن يظل تحقيق الولاء للمنشأة هاجسا يتطلب قيادة فاعلة، تركز على إيجاد البيئة الصالحة التي تعزز الولاء والعطاء.