قصر الحمراء في إسبانيا .. المسلمون مروا من هنا
لهذا القصر، قصر الحمراء، من الشهرة ما يغني عن التعريف به، فهو من أشهر المعالم الأثرية في إسبانيا والعالم، بناه في غرناطة حكامها العرب المسلمون بنو الأحمر على ربوة تسمى السبيكة في الشمال الشرقي من غرناطة، في القرن الثامن الهجري.
يقول الدكتور محمد الجمل عن تاريخ هذا القصر: "وردت كلمة الحمراء لأول مرة في المصادر العربية باسم حصن الحمراء، وكان يطلق على حصن صغير لجأ إليه الثأريون الذين فروا أثناء الفتن التي شبت خلال حكم الأمير عبد الله بن محمد الأموي، ويبدو أن هذا الموقع قد أصبح في نهاية القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) حصنا إسلاميا، وكان هذا الحصن قد شيد فيما يغلب في نهاية القرن الثالث الهجري على أطلال رومانية وقوطية قديمة كانت تتخذ من هذا الموقع الاستراتيجي فوق تل السبيكة حصنا ومركزا دفاعيا لها، وقد هجر فيما يبدو في أيام الخلافة، حيث لم تذكره المصادر العربية إلا في عصر بني زيري الذين اتخذوه حصنا وموقعا عسكريا، ثم أضافوا إليه منشآت مدنية للسكنى. والمجموعة الحالية لقصور الحمراء يرجع الفضل في إنشائها إلى بعض سلاطين بنى نصر أسهم كل منهم بالإضافة والتجديد والتعديل في القصور السلطانية حتى وصلت الحمراء إلى أوج كمالها في عصر السلطان يوسف الثالث، والحمراء مدينة ملكية تتخذ شكل الحصن الذي يقام في موقع مرتفع منيع يتميز بحصانته بفضل الأبراج والأسوار المحيطة به. ويبلغ ارتفاع الهضبة التي شيدت عليها القصور 736 مترا، وتشغل نحو 35 فدانا، وتضم الحمراء عددا من الوحدات المعمارية بعضها قاعات ومجالس وبعضها أبهاء وبساتين تتخللها الجداول والبرك الصناعية خطط لها فوق تل السبيكة الذي عرف بهذا الاسم لتحوله إلى اللون الذهبي عندما تسقط عليه أشعة الشمس. وأقدم قصور بني نصر التي أقيمت بالحمراء كانت من إنشاء السلطان الغالب بالله محمد بن يوسف بن نصر، الذي وضع النواة الأولى للأسوار والقصبة والقصور فوق القمة المعروفة بالسبيكة ثم تتابعت الزيادات في القصور والمجالس والقاعات على أيدي عدد من سلاطين بني نصر شارك كل منهم إضافة وزيادة في إنشاء مجموعة قصور الحمراء".
ووصف الرحالة المصري محمد ثابت (ت 1958م) في كتابه "رحلاتي في مشارق الأرض ومغاربها" غرناطة والقصر الأحمر فقال: "قمنا إلى غرناطة بالسيارات وسط الأرض المموجة المخضرة البديعة وجبال سيرانيفادة على بعد، ثم أخذنا نهبط إلى سهول غرناطة الشهيرة بالغلال فلم ترقني البلدة كثيرا إذ يعوزها النظام في مبانيها وشوارعها والنظافة في أهلها، وإن بدت فيهم جميعا الملامح العربية. أقبلت على قصر الحمراء في حدائق وغابات هائلة فذهلت مما رأيت: نقوش وأقبية وبوائك وعمد ومقصوص الرخام وخرط الخشب والخط الكوفي والقيشاني والنافورات والمشربيات، خصوصا في مسجد القصر وبهو العدل ومقصورة الحريم والحمام: آيات للفن بينات وكلما طوحت ببصري قرأت "لا غالب إلا الله والملك لله وحده" فكأنهم كانوا يتنبؤون بما يخبئه الحظ لهم من طرد وتشريد وقتل. وأسوأ ما في القصر الجزء الذي زاده شارلمان وكأنه الوصمة وذلك من شدة التعصب، وفي بهو الشعراء سلم العرب لجنود فرديناند".
وقال شكيب أرسلان في كتابه "الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية" عنه: "فأما حمراء غرناطة فلا تزال إلى يوم الناس هذا زينة إسبانية وحليتها، ومقصد المتفرجين من جميع الأقطار يزورها في دور السنة من 70 إلى 100 ألف متفرج، ومن أغرب ما سمعت أن بعضهم يقيم الشهر والشهرين والثلاثة في غرناطة، وقلما يمضي يوم إلا ويقصد فيه إلى الحمراء حتى يمتع نظره بما فيها من نفائس الصنعة، وبدائع الطبيعة، لأن موقع الحمراء الطبيعي هو أيضا نادر في الدنيا. ومما يحمد الله عليه أن صناعة البناء الأندلسية هي محفوظة كلها في المغرب، لا تختلف في شيء عما كانت عليه في الأندلس، وإن الزليج الذي تزين به الحيطان والساحات، والذي يشبه القاشاني في المشرق، لا يزال يصنع ويتنافس به".
واشنطن إيرفينغ (1783-1859م)، كاتب أمريكي يحظى بشعبية كبيرة في عصره، عمل في المفوضية الأمريكية في مدريد بإسبانيا عام 1829م. زار إيرفينغ مجمع حصون قصر الحمراء في غرناطة، ونزل في الغرف المطلة على حديقة اللِندراخا. كتب إيرفينغ كتاب "قصر الحمراء"، ويتكون الكتاب من 30 فصلا، تبدأ بأوصاف الريف الأندلسي، إضافة إلى مناظر لمداخل ومخارج القصر تعيد الحياة لأجزاء من الحصن مثل قاعة السفراء وبرج قُمارش وجنة العريف. تسرد الفصول الأخرى أساطير إسبانية مرتبطة بقصر الحمراء وآخر ملوكه العرب أبو عبد الله الأحمر، التي شملت أسطورتي "الأميرات الثلاث الجميلات" و"وردة قصر الحمراء". يصف إيرفينغ لقاءاته مع مضيفيه ومع أناس آخرين التقاهم في قصر الحمراء. يحوي الكتاب على رسوم إيضاحية عديدة تُظهر العمارة الداخلية لمجمع القصر، وصور للمناظر الطبيعية المحيطة. نُشر كتاب قصر الحمراء لأول مرة في لندن عام 1832م، ثم أعاد إيرفينغ كتابة الكتاب مضيفا فصولا جديدة ومعيدا ترتيب الفصول القديمة. نُشرت هذه الطبعة في لندن عام 1896م.
وذكر الزركلي في كتابه "الأعلام" أن المستشرق الإسباني كيانجوس دون باسكوال (1224-1315هـ/ 1809-1897م) وصف آثار قصر الحمراء وكتاباتها.