«الفنون» أكبر كتاب عرفه التاريخ
يرى كثير من المؤرخين أن كتاب الفنون لأبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي هو أكبر كتاب في الدنيا، واختلفوا في عدد مجلداته؛ فمنهم من يرى أنه بلغ 800 مجلد، ومنهم من يرى أنه بلغ 200 مجلد. وذكر تلميذه ابن الجوزي أنه تملك 150 مجلدا من هذا الكتاب.
وأبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري، يعرف بابن عقيل، ولد سنة 431هـ، وتوفي سنة 513هـ. وهو عالم العراق وشيخ الحنابلة ببغداد في وقته. كان قوي الحجة، اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته. وكان يعظم الحلاج، فغضب منه الحنابلة وغيرهم، فاستجار بباب المراتب عدة سنين. ثم أظهر التوبة، وسجل توبته في الشرطة، وقال ضمنها: "واعتقدت في الحلاج أنه من أهل الدين والزهد والكرامات. ونصرت ذلك في جزء عملته. وأنا تائب إلى الله تعالى منه، وأنه قتل بإجماع علماء عصره، وأصابوا في ذلك، وأخطأ هو. ومع ذلك فإني أستغفر اللّه تعالى، وأتوب إليه من مخالطة المعتزلة، والمبتدعة".
ولأبي الوفاء ابن عقيل مؤلفات عديدة، واتفق العلماء على الثناء على ذكائه وسعة علمه، قال عنه ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان: "أحد الأعلام، وفرد زمانه، علما، ونقلا، وذكاء، وتفننا. له كتاب الفنون في أزيد من 400 مجلد، إلا أنه خالف السلف، ووافق المعتزلة في عدة بدع، نسأل الله العفو والسلامة، فإن كثرة التبحر في الكلام، ربما أضر بصاحبه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
كتاب الفنون:
تكلم العلماء كثيرا عن هذا الكتاب، فقال عنه شمس الدين الذهبي: "لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب، وهو أزيد من 400 مجلد حشد فيه كل ما كان يجري له مع الفضلاء والتلامذة، وما يسنح له من الدقائق والغوامض وما يسمعه من العجائب والحوادث". وقال ابن رجب الحنبلي: "وهو كتاب كبير جدا فيه فوائد كثيرة جليلة، في الوعظ، والتفسير، والفقه، والأصلين، والنحو، واللغة، والشعر، والتاريخ، والحكايات. وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له، وخواطره ونتائج فكره قيدها فيه. وقال ابن الجوزي: وهذا الكتاب 200 مجلد. وقع لي منه نحو من 150 مجلدا. وقال عبد الرزاق الرسعني في تفسيره: قال لي أبو البقاء اللغوي: سمعت الشيخ أبا حكيم النهرواني يقول: وقفت على السفر الرابع بعد الـ 300 من كتاب الفنون. وقال الحافظ الذهبي في تاريخه: لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب. حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الـ 400. قلت: وأخبرني أبو حفص عمر بن علي القزويني ببغداد، قال: سمعت بعض مشايخنا يقول: هو 800 مجلد". وذكر حاجي خليفة في "كشف الظنون" أن ابن عقيل جمع في كتابه هذا أزيد من 400 فن. ومما يذكر أن تلميذه ابن الجوزي اختصر كتاب الفنون في عشرة مجلدات، كما أكثر النقل عنه في مؤلفاته. وقال صاحب الروض: "وسمي فنونا لأنه جمع فيه الفنون كلها، وهو كتاب رأينا شيئا منه، ولا بأس به لكن ليس بذاك الكتاب الذي فيه التحقيق الكامل في مناقشة المسائل، إنما ينفع طالب العلم بأن يفتح له الأبواب في المناقشة".
وقد عثر على مخطوطة كان يظن أنها وحيدة تحتوي على مجلدين من هذا الكتاب في مكتبة باريس، وقام بتحقيقها جورج المقدسي، وصدرت الطبعة عام 1411هـ/ 1991. إلا أن هناك مزاعم ظهرت أخيرا عن العثور على مخطوطات الكتاب كاملة.
وعن منهجه في الكتاب يقول ابن عقيل في مقدمة الفنون: "فما أزال أعلق ما أستفيد من ألفاظ العلماء، ومن بطون الصحائف، ومن صيد الخواطر التي تنثرها المناظرات والمقابسات في مجالس العلماء ومجامع الفضلاء، وطمعا في أن يعلق بي طرف من الفضل أبعد به عن الجهل، لعلي أصل إلى بعض ما وصل إليه الرجال قبلي، ولو لم يك من فائدته عاجلا إلا تنظيف الوقت عن الاشتغال برعونات الطباع التي تنقطع بها أوقات الرعاع".