«أرامكو» .. الطرح التاريخي
جاء إدراج جزء من أسهم شركة أرامكو في السوق السعودية، في الوقت المناسب، الذي تم اختياره والتحضير له من قبل القيادة العليا. وقرار الإدراج على الرغم من أنه محلي في الوقت الراهن، إلا أنه يستقطب اهتماما عالميا منقطع النظير. وفي الفترة الماضية، تدافعت الأسواق العالمية الكبرى من أجل أن تكون لها حصة في هذا الإدراج، حتى إن بورصة لندن عدلت بعض القوانين لمواءمة هذا الطرح التاريخي الكبير. والسبب معروف للجميع، وهو جودة هذه الأسهم، المكتسبة من قيمة "أرامكو" وقوتها ونفوذها الهائل على الساحة النفطية العالمية. يضاف إلى ذلك، أنها تدخل ضمن اقتصاد سعودي وطني يحظى بدرجات عالية من التصنيف الائتماني، إلى جانب دور المملكة الفاعل على الساحة الدولية بشكل عام.
والإدراج الجديد مرحلة أولى تتبعها مرحلة ثانية لإدراج جزء آخر من أسهم "أرامكو" في إحدى البورصات العالمية. وهو اختيار سيحدده القائمون على الشركة في الوقت المناسب، خصوصا في ظل تنافس حقيقي من جانب هذه البورصات للفوز بحصة ما. وتخطط القيادة منذ فترة للإقدام على هذه الخطوة، في إطار الاستراتيجية الاقتصادية والتنموية الهائلة التي تنفذها عبر خطط ومعايير "رؤية المملكة 2030"، التي تستهدف استكمال المسيرة من أجل الانتهاء من بناء اقتصاد وطني سعودي جديد، يتناغم مع إمكانات البلاد واستحقاقات العقود المقبلة. و"الرؤية" تمثل حجر الزاوية في كل شيء على الساحة المحلية، لأنها تشمل كل الميادين، كما أنها استقطبت في الأعوام القليلة الماضية، جهات استثمارية كبرى باحثة عن حصة في ورشة البناء الاقتصادي الضخمة.
طرح "أرامكو" التاريخي في السوق السعودية، أطلق مسارا مهما، محليا وعالميا، كما أن جودة الأسهم ستوفر العوائد والأرباح للمستثمرين بمستويات جيدة وآمنة أيضا. فالأرباح السنوية لـ"أرامكو" في حدها الأدنى تصل إلى 75 مليار دولار، وهي أرباح قابلة للارتفاع في الأعوام المقبلة، وفق معايير السوق النفطية ووتيرة الإنتاج والتسويق، وغير ذلك من العوامل الأخرى.
وهذا يعني، أن المستثمرين سيحظون بتوزيعات مستدامة ومتنامية على الرغم من عدم ثبات أسعار النفط. يضاف إلى ذلك، أن هناك مغريات حقيقية لحملة الأسهم، بما في ذلك منح سهم مجاني لكل عشرة أسهم يشترونها عند الاكتتاب، بما يصل إلى 100 سهم مجاني. وهذا أيضا يعد فرصة مهمة لكل من يرغب في امتلاك أسهم هذه الشركة العملاقة.
ولأن القوانين في السعودية تخضع للمراجعة المستمرة، في إطار محددات "رؤية المملكة 2030"، فقد أصدرت هيئة السوق المالية قرارا يعفي المؤسسات الأجنبية التي تعتزم الاكتتاب في الأسهم المطروحة من بعض الإجراءات الرسمية للوفاء بالشروط للمستثمر الأجنبي المؤهل، ما يؤكد سلاسة التشريعات الاقتصادية في المملكة، وهو أمر يمثل محورا رئيسا لأي اقتصاد يسعى إلى الاستدامة، فالانفتاح، ولا سيما في التشريعات، يمثل قوة دفع كبيرة لأي عملية تغيير اقتصادية تجري هنا أو هناك. دون أن ننسى، أن نسبة المديونية في "أرامكو" هي الأدنى مقارنة بكل الشركات النفطية العالمية الكبرى، فهي لا تتعدى 2.4 في المائة. والشركة عازمة على الاحتفاظ بمستوى المديونية المستهدف الذي يراوح بين 5 و15 في المائة.
إدراج نسبة من أسهم "أرامكو" في السوق السعودية، يأتي أيضا في ظل قدرات الشركة التشغيلية، وكذلك الانضباط المالي. وهذه عوامل يفتقر إليها كثير من الشركات النفطية الكبرى، ما يعزز جودة الأسهم المطروحة في هذه المرحلة، وفي المراحل المقبلة عندما يحين الوقت. السوق السعودية شهدت أمس بالفعل تطورا تاريخيا بفعل الطرح الجديد، والتطورات التاريخية لا تتوقف على الساحة السعودية منذ عدة أعوام، وكلها تصب في مستقبل البلاد ورفاهية شعبها واستدامة التنمية فيها.