إدارة المسافات .. «شعرة معاوية»
نسمع بين الفينة والأخرى قولهم، "خل بينك وبين الناس شعرة معاوية"، وهي مقولة تحمل في طياتها من الحكمة والدهاء شيئا كثيرا. وأساس الحكمة، ما يروى أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - كان يقول "لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إن مدوها أرخيتها وإن أرخوها مددتها". وفي هذا من الحنكة ما فيه، إذ إن مداراة الناس والتصرف معهم بكياسة وذكاء، يعد مبدءا عظيما من مبادئ التعامل الإنساني. ومن اللافت للنظر، أن هذه الحكمة تنطبق على تعامل الإنسان مع نفسه ومع الآخرين، بل قد تمتد لتشمل تعامل الدول مع بعضها بعضا، فلا إفراط في الحب ولا تفريط في الكره. انظر إلى حوادث السيارات، تجد أن أكثرها بسبب عدم ترك مسافة كافية، ثم ارفع بصرك إلى القمر، تجد الجمال الذي يأسر الألباب. لكن احذر من أن تصل إلى القمر، لأنك ستجده مجموعة من الأتربة والأحجار! وما أجمل قول شاعرنا الشعبي:
اترك مسافة كافية بينك وبين الآخرين
بعض البشر ودك حدود المعرفة معهم سلام
إن وجود مسافة معقولة بينك وبين الآخرين هو، مدعاة إلى تنظيم علاقتك بهم، وهذا مهم لاستمرار تلك العلاقة، فكي يبقى الجميل جميلا لا تقترب منه كثيرا! فلا أحد يخلو من العيب حتى نفسك التي بين جنبيك، ووجهك الذي ربما تفتخر بحسنه لو استخدمت مرآة مكبرة لهالك ما ترى! يتصور بعض الناس أنه كلما اقترب كثيرا ممن يحب، فإن ذلك مدعاة إلى ازدياد ذلك الحب وقوته. وهذا تصور خاطئ، إذ تدل الدراسات على أن العلاقات الإنسانية تكون أجمل وأكثر قدرة على النمو والازدهار، إذا ما تمت المحافظة على مسافة كافية تسمح بنمو تلك العلاقات. انظر إلى الأشجار، كالنخيل مثلا، تجد أنه لا بد من تباعدها لكي تنمو بشكل جميل وتعطي أطايب الثمر! ولا يعني - بالضرورة - ترك مسافة بينك وبين الآخرين أن تترك انتقاد السلوك الخاطئ، إنما المقصود أن يكون ذلك بالحكمة والروية والاتزان، حتى لو كان ذلك بالصمت تجاه بعض المواقف. وأخيرا، فإن ترك المسافات، أو تطبيق - شعرة معاوية - فن يجب علينا إدراكه وفهمه، ومن ثم تطبيقه، فهو - بعد توفيق الله - من أفضل الطرق للنجاح في علاقاتنا الأسرية والمجتمعية.